فخر الدين ألتون - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

جلبت محاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز معها تغييرات مذهلة للواقع الالاجتماعي والسياسي في تركيا. وبمرور الأيام تتكشف مزيد من التفاصيل، وصار حجم الخطر الذي تعرضت له تركيا أكثر وضوحا مع كل تفصيل جديد يكشف عنه.

هذه المحاولة الانقلابية الدموية التي قادها فتح الله غولن أحبطتها القيادة السياسية للرئيس، رجب طيب أردوغان، والبث المناهض للانقلاب، ومقاومة قوات تنفيذ القانون، وبطبيعة الحال الناس الذين هرعوا إلى الشوارع ووقفوا في مواجهة الدبابات. ومنذ ليلة 15 من يوليو والشعب يحرس "ساعة الديمقراطية" في جميع أنحاء تركيا. منذ ليلة 15 من يوليو لم تخفت الأضواء، ولم تخل الساحات، والناس في الشوارع ينتظرون دعوة الرئيس أردوغان لهم لكي يعودوا إلى منازلهم في الليل.

ماذا تغير في الواقع الاجتماعي والسياسي في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو؟ أولا وقبل كل شئ، وسواء أكان ذلك في المجال السياسي أم في المجال الاجتماعي، ظهرت أجواء طاغية من التفاعل والحوار بين مختلف الجهات الفاعلة. أما الذين يحللون السياسة التركية فقد كرروا باستمرار مسألة الاستقطاب السياسي وحتى الاستقطاب المجتمعي على مدى السنوات القليلة الماضية. خلال تلك الفترة قلت بإصرار إنه في الوقت الذي يمكن فيه الحديث عن وجود استقطاب لسياسي،فلا مجال للحديث  عن وجود استقطاب مجتمعي، وقد أظهرت المحاولة الانقلابية في 15 يوليو هذا بوضوح، حيث عارض المجتمع بأكلمة الانقلاب، ومنعه من النجاح.

بعد هذا الاستعراض للقوة من جانب المجتمع، ظهرت أجواء جديدة من التفاعل أيضا في الساحة السياسية. تحدث جميع زعماء أحزاب المعارضة ضد محاولة الانقلاب، واستجابوا لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان. وبعد ذلك اجتمع البرلمان في جلسة طارئة، ووقعت الأحزاب الأربعة في البرلمان على إعلان مشترك، وهو أمر لم يحدث في تاريخ نركيا السياسي الحديث.

والأكثر من ذلك أن الدعوة وجهت إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، وحزب الحركة القومية إلى القصر الجمهوري. وتظهر الصورة التي جمعت أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي نقطة مهمة تم تجاوزها في السياسة التركية. ويعرف الذين يتابعون السياسة التركية عن كثب أن الحملات الانتخابية لأحزاب المعارضة في الانتخابات الأربعة الماضية قامت على أساس معارضتهم لأردوغان، ولا سيما في آخر معركتين انتخابيتين حيث انتقدوا بناء وتجهيزات القصر الرئاسي.

في أعقاب 15 من يوليو يمكننا أن نرى أجواء من السلام والتطبيع والحوار قد ظهرت في السياسة التركية. في هذه الفترة وبغض النظر عما لا يزال الغرب مقتنعا به، تقلصت العداوة التي لا أساس لها وغير العقلانية تجاه أردوغان إلى حد كبير في السياسة التركية. يعتقد الشعب التركي أن محاولة الانقلاب هذه كان يمكن تجاوزها من خلال قيادة أردوغان بفعالية في ظل هذا الوضع. والفهم العام بين الناس أنه أيا كان موقف أردوغان في ليلة محاولة الانقلاب أو النضال الذي قاده ضد تنظيم غولن غير الشرعي، فإنهم ساهموا في هزيمة الانقلاب.

عامل آخر ظهر بعد 15 من يوليو وهو التسييس الإيجابي للشعب، فقد شاهدنا قطاعا كبيرا من المجتمعى يشارك في الحياة السياسية لا بالتصويت في صناديق الاقتراع فقط بل أيضا بالخروج إلى الشوارع لحماية تصويتهم. هذا التسييس ظهر بطريقة محدودة لا تقارن في احتجاجات جازي بارك، لكنه كان يذكر باستمرار في العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام الغربي. أما اليوم، ويا للأسف، لم تجذب هذه المسألة انتباه العالم الغربي.

ثمة عامل آخر ظهر في الواقع الاجتماعي والسياسي في تركيا بعد 15 من يوليو وهو زيادة القدرة في السياسة والبيروقراطية والمجتمع المدني والإعلام والاقتصاد. وعلى الرغم من الصدمة الهائلة التي ظهرت ومحاولة الانقلاب الدموي الذي قادته الطغمة الغولنية العسكرية،  فلم يحدث تراجع في الاقتصاد، ومهدت الطريق للتوصل إلى حل سياسي للمشاكل الهيكيلية في تركيا، وبذلت منظمات المجتمع المدني جهدا مركزا لإعادة تأهيل المجتمع، وشرعت وسائل الإعلام في العمل إلى إبلاغ الحقيقة للعالم الغربي بعد أن ترك تركيا تواجه مشاكلها، وبذلت البيروقراطية جهودا لإصلاح الخراب الذي وقع، والتأقلم مع المرحلة الجديدة بحيث تكون أكثر فعالية.

هذه كلها هي الآثار الجانبية لمحاولة الانقلاب الفاشلة. أما بالنسبة لمن أرادوا أن ينجح الانقلاب، فهم لا يرون أي إيجابية في ذلك. والسبب في ذلك أن صورة تركيا في وسائل الإعلام الغربية تم التلاعب بها ويا للأسف. لن أتحدث عن التلاعب، ولكن عن تقديم صورة لتركيا تعتمد على أخبار زائفة جمعت من أكاذيب.

وماذا لو كان الانقلاب قد نجح؟ لو نجح الانقلاب، لتعرض المجتمع التركي لخسائر فادحة، ولأعدم البارزون في السياسة والإعلام والمجتمع المدني، ولتعمقت الفوضى في الشرق الأوسط، ولكان من الممكن أن تصير تركيا المحور الرئيس للتفكك العالمي في القرن الحادي والعشرين.

هل هذا ما تريدون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل أنتم متأكدون؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس