متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

أبرزت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى روسيا بعض الرسائل الرمزية المهمة. كان الهدف الأول من القمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبلاغ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "أننا قادرون على حل جميع مشاكلنا بدونكم، وحتى رغما عنكم، وأن نصير أصدقاء".

على مدى القرون الثلاثة الماضية تشكلت العلاقات التركية الروسية من خلال ديناميات علاقتهما مع الغرب. وثمة ميل تاريخي لدى روسيا وتركيا لاستخدام علاقتهما الثنائية ورقة للعب بها مع الغرب. وقد سعت تركيا خصوصا إلى تحسين علاقتها مع روسيا عندما تتصدع علاقتها بالغرب.

كان اجتماع التاسع من أغسطس/ آب أول زيارة خارجية لأردوغان بعد محاولة الانقلاب في ال15 من يوليو/ تموز، كما جاءت بعد 268 يوما من إسقاط طائرة أف16 تركية طائرة روسية في الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني بعد انتهاكها المجال الجوي التركي.

واعتمادا على ما جاء في المؤتمر الصحفي لبوتين وأردوغان، وعلى تعليقات وسائل الإعلام، تريد تركيا أولا إعادة حجم التبادل التجاري إلى المستوى الذي وصل إليه قبل إسقاط المقاتلات التركية للطائرة الروسية، ولا سيما في مجال السياحة والزراعة والبناء. ويكشف هدف أردوغان من الوصول بحجم التجارة إلى 100 مليار دولار أن تركيا تضع الأولوية للميزان التجاري. يقول علي بيلجين فارليك من معهد الدراسات الاستراتيجية في أنقرة، إن صادرات تركيا إلى روسيا لا تشكل سوى 25%-27% من حجم التجارة بين البلدين، وينحرف الميزان التجاري بسبب اعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي. وفي عام 2014 كان 55% من واردات تركيا من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا.

وهذا هو السبب في أنه كان هناك تركيز خاص خلال اللقاء على إعادة العمل بمشروع خط أنابيب ترك ستريم  لنقل الغاز الروسي تحت مياه البحر الأسود إلى منطقة البلقان وأوروبا عبر تركيا. تعرف أنقرة أن هذا المشروع من شأنه أن يجعل تركيا محورا للطاقة، ولكن ليس من المؤكد أن روسيا تعتزم بشكل كامل المضي قدما في ذلك. ومن قضايا الطاقة الرئيسة التي نوقشت في اللقاء محطة الطاقة النووية " أك كويو" التي ستقيمها روسيا في تركيا. وقد وافقت أنقرة على الإسراع في عملية البناء، واعتبار المشروع مصلحة استراتيجية ما يعني مزايا جذابة.

وأشارت القمة أيضا إلى التعاون في مجال الصناعة العسكرية، وهذا ما لاحظه توران أوغوز الباحث في مجال الصناعات العسكرية الذي لفت إلى ما قاله وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو في تصريح له في العاشر من أغسطس آب بحضور إسماعيل ديمير وكيل وزارة الدفاع للصناعات العسكرية "أردنا التعاون مع الدول الأعضاء في حلف الناتو، لكن النتائج لم تكن مرضية. تركيا تقيم نظامها الدفاعي الخاص بتطوير التكنولوجيا بالتعاون مع دول أخرى".

يقول توران أوغوز الذي تحدث للمونيتور "إن الخطوة الأولى نحو هذا الهدف يمكن أن تشمل نظام دفاع جوي بعيد المدى، مضيفا أنه عندما كانت العلاقات التركية الروسية في أفضل حالاتها كان عرض الروس لتزويد تركيا بمنظومة الصواريخ إس 300 لنظام الدفاع الصاروخي التركي بعيد المدى من بين البرامج التي رفضتها تركيا بسبب ضعف مواصفاته، ورفضها نقل التكنولوجيا". وقال أوغوز: "أعتقد أنه حتى تتمكن تركيا من إقامة نظام دفاعي خاص بها، فإن بإمكانها اختيار شراء بعض أنظمة أس 300 ، وسيكون ذلك رسالة قوية إلى حلف شمال الأطلسي".

وقال المحلل العسكري أردا مولود أوغلو للمونيتور إنه يعتقد أن الجهود الرامية لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين روسيا وتركيا يمكن أن يكون ورقة في يد تركيا ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

يقول المحلل علي فارليك إن التعاون مع روسيا يمكن أن يزود تركيا بقدرات جديدة في الصناعات الدفاعية، على الرغم من أن لديه تحفظات على ذلك فيقول: "إن هذا التعاون يمكن أن يكون مزعجا بسبب اختلاف المعايير التكنولوجية بين البلدين، واعتماد عقيدة الصناعات الدفاعية التركية على العقيدة العسكرية الأمريكية والغربية، واستمرار تطور الصناعة العسكرية الروسية، وتراجع حصتتها في الأسواق الدولية"، وأشار فارليك إلى أن التعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل لم يتجاوز مستويات التعاون مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، مضيفا: "لا أعتقد أن التعاون العسكري بين تركيا وروسيا سوف يتجاوز خلال عام أو عامين التزامات تركيا ومسؤولياتها لحلف شمال الأطلسي."

يؤكد إشراك أردوغان لرئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان ضمن الوفد المتجه إلى روسيا أن سوريا كانت إحدى الموضوعات الرئيسة على جدول الأعمال. ويبدو أن أنقرة وموسكو تريدان التعاون في اتجاه الحل في سوريا، والتوفيق بين أهدافهما السياسية المتباينة عن مستقبل سوريا.

ولتحقيق هذه الغاية، ولتجنب أي حادث آخر مثل إسقاط تركيا للطائرة الروسية، يبدو أن روسيا وتركيا سوف تتبادلان المعلومات الاستخباراتية على غرار ما يحدث مع إسرائيل، وقد منح أردوغان الضوء الأخصر لإقامة نظام ثلاثي يوائم بين الجيش والمخابرات والمصالح البيروقراطية بين البلدين.

ليس من الصعوبة تخمين أن تركيا ضغطت بشدة من أجل دخول طائراتها الحربية إلى المجال الجوي السوري، وخاصة منطقة شمال سوريا التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي) وتعكس عناوين الصحف التركية في الأيام الأخيرة عن استئناف الطائرات الحربية عملياتها في سوريا هذا الأمل.

ومن المرجح أيضا أن وضع حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) كان من بين القضايا الحساسة في القمة. وقال أردوغان بعد اللقاء "عرف الصديق بوتين منا لأول مرة أن حزب الاتحاد الديمقراطي افتتح مكتبا له في موسكو. كانت لدينا صور عن ذلك أظهرناها له، وقال إنه سوف يتابع المسألة". أثار تصريح أردوغان دهشة الكثيرين، لأن فتح المكتب أعلن عنه في فبراير/ شباط الماضي على المستوى الدولي. وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام تشير إلى أن هناك مجموعة منظمات كردية غير حكومية هي من افتتحت المكتب، فإن من قاد هذه المهمة عضو في حزب الاتحاد الديمقراطي.

وسيكون إغلاق مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي اختبارا للأهمية التي يوليها بوتين لعلاقته مع أردوغان، وصدق موسكو في علاقتها مع تركيا.

ويبدو أيضا أن الزعيمين ناقشا في القمة وقف إطلاق النار في سوريا والحلول العسكرية والسياسية واللاجئين، والأهم من ذلك وضع جماعات المعارضة السورية ولا سيما الجهاديين المعتدلين.

وقال وزير الخارجية التركي شاوش أوغلو إن تخفيف حدة التنافس الإقليمي في البحر الأسود كان على جدول أعمال القمة، وإن تخفيض التوتر هناك سمينح تركيا متنفسا في الشمال على الأقل، بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو.

ويتفق المحللون الأتراك الثلاثة فارليك ومولود أوغلو وأوغوز على أن الجانب الأهم للقمة كان في توقيتها بعد  محاولة الانقلاب، وما إذا كانت نتيجتها نقطة تحول لا في العلاقات التركية فحسب بل في العلاقات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وخاصة فيما يتعلق بسوريا. من الواضح أن قادة أنقرة عادوا من القمة تحدوهم آمال كبيرة، بينما تميل موسكو لأن تكون أكثر حذرا.

ولكي نعلم حقا تداعيات قمة سان بطرسبرغ، فقد حان الوقت للنظر في  تطورات المجالات العسكرية والأمنية ولاسيما الحل في سوريا، والحرب التركية مع حزب العمال الكردستاني وعلاقتها بحزب الاتحاد الديمقراطي، ومستقبل جماعات المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا، وعلاقات تركيا بحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. 

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس