يونس أكبابا - مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" - ترجمة وتحرير ترك برس

أجرى الباحث التركي يونس أكبابا من معهد الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا) بحثا تحليليا حول ما يجري من أحداث تخريب يقوم بها الأكراد في المحافظات التركية في مقالة مطوّلة بعنوان "خمسة أسئلة : احتجاجات كوباني ومستقبل عملية السلام"، رأى من خلالها أن الحركة السياسية الكردية القائمة حاليا تسعى بكل قوة لربط عملية السلام بالأحداث والتطورات الجارية في عين العرب "كوباني".

وتحدث يونس عن اللقاءات التي جمعت بين القادة الأكراد من جبل قنديل وبين زعيمهم أوجلان، والتي حاولوا من خلالها ربط التطورات الأخيرة بعملية السلام القائمة مع الدولة التركية، لكن الكاتب يرى أنه لا مخرج من الأزمة الحالية إلا “بالاستمرار بعملية السلام مع الأخوة الأكراد واعتبار ما جرى في الأيام الثلاثة الماضية أمورا استثنائية لا تعبر عن الإرادة الكردية الحقيقية، واعتبارها خارج إطار عملية السلام”.

أهداف الأكراد

وفي معرض حديثه عن الأمور التي يريد الأكراد تحقيقها من خلال الأحداث التي أطلقتها الأحزاب السياسية الكردية، قال إنّها تتمثل بأهداف ومصالح سياسية داخلية وأخرى خارجية، فعلى صعيد السياسة الداخلية يحاول المسؤولون الأكراد الادعاء بأن تركيا قدمت المساعدات وما زالت تقدمها "لمنظمة إرهابية تسمي نفسها الدولة الإسلامية"، ومن خلال ذلك يريد حزب الشعوب الديمقراطية (ممثل الأكراد) أن يضع الحكومة التركية في وضعية لا تحسد عليها أمام شعبها من جهة، ومن أجل الحصول على دعم بالأسلحة من الجهات الدولية لتسليمها لحزب العمال الكردستاني ولذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة أخرى. فمع أن الأحزاب الكردية الثلاثة حزب الشعوب الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وصفت أي تحرك عسكري تركي بأنه "احتلال"، إلا أنهم يرون سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق شمال شرق سوريا منذ عام 2012 انتصارا ومكسبا هاما وعظيما للحركة الكردية، ولهذا يفضّل الأكراد دوما دعمهم بالسلاح فقط على التدخل العسكري سواء التركي أو الدولي.

هذا على صعيد المكاسب الداخلية، أما المكاسب السياسية الخارجية فهم يسعون إلى تحقيقها –حسب الباحث- من خلال تركيز إعلامهم بصورة مكثفة على خبر دعم تركيا للمنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من أجل تصوير تركيا في العالم على أنها دولة أصولية تدعم الأفكار المتشددة، وبهذا يحققون عدة مكاسب دولية على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

أمّا ما يسعون لتحقيقه على المدى القصير كما يرى الكاتب، فهو حصول المقاتلين الأكراد على دعم بالأسلحة المتنوعة من الجهات الدولية، ويسعون كذلك لإزالة اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية على المدى المتوسط، ويريدون أن يصبح للأكراد وخصوصا لحزب العمال الكردستاني دور هام وبارز في المنطقة كأحد العناصر الفاعلة فيها على المدى البعيد. 

وأما خروج الأكراد في الشوارع بصورة متزامنة وقوية جدا والتي أجبرت الدولة التركية على فرض منع التجول في عدة محافظات تركية، فيرى الكاتب أن هدف الأكراد من وراء ذلك تصوير الدولة التركية على أنها لا تستطيع إدارة شؤون الدولة ولا تسيطر على الأوضاع فيها، مستشهدين –أي الساسة الأكراد- بأحداث "غيزي بارك" وبأحداث 17 كانون أول/ديسمبر والتي اتهموا فيها الدولة والحكومة بأنها لا تستطيع ضبط الأمور واستخدمت العنف المفرط، حتى وصل بهم الأمر للمساس بشرعية الحكومة القائمة متهمين إياها بالخيانة.

انعكاسات على عملية السلام

يحاول الكاتب في القسم الآخر من بحثه أن يجيب على سؤال يخطر على بال كل متابع للأحداث، وهو "هل سيكون هناك تأثير مباشر لهذه التطورات على عملية السلام؟ وهل هناك علاقة مباشرة بين ما يجري وبين عملية السلام؟"، وهنا لا يعتقد الكاتب أن هدف حزب الشعوب الديمقراطية الكردي من الأحداث هو زعزعة عملية السلام، بل بالعكس كل ما كان يسعى إليه هو لفت الأنظار إلى الأحداث الجارية في عين العرب "كوباني" من أجل تزويد الأكراد بالسلاح، ومن أجل تسريع عملية السلام بصورة أكبر، لكن الأحداث التي جرت في الشوارع قد خرجت فعليا عن سيطرة حزب الشعوب الديمقراطية. فرئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش يحاول قدر الإمكان تجنب التعليق على الأحداث الجارية حاليا لأنها فعليا خرجت عن سيطرته، وهو بكل تأكيد ينتقد هذه الفوضى وينتقد حرق المستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف وحافلات النقل والاعتداء على المنشآت العامة والنصب التذكارية وغيرها من التصرفات التخريبية، لكنه يحتفظ بذلك لنفسه خوفا من ردة فعل ربما تكون قاسية تجاهه من قبل الأكراد الغاضبين. لكن هذا كله لا ينفي أن عملية السلام قد تعرضت لجرح عميق بسبب التطورات الأخيرة.

يعتبر الكاتب أن عملية السلام بين الدولة التركية وبين الأكراد كانت تسير بخطوات إيجابية منذ اليوم الأول لانطلاقها، لكن التطورات اللاحقة التي حصلت في سوريا أدت إلى تأخير تقدم عملية السلام بسبب محاولة بعض الأطراف استغلال تلك الأحداث كورقة ضغط لتحقيق مكاسب إضافية لم تكن في السابق ممكنة، وهذا لم يجعل تركيا غير مبالية لما يجري من أحداث في سوريا وفي كردستان السورية، بل ذلك جعل القضية السورية والأحداث الجارية على الحدود التركية أبرز اهتمام يشغل بال الساسة الأتراك والحكومة التركية.

تأثير الصحافة الكردية

يرى يونس أكبابا أن الصحافة الكردية وما عملته في الفترة الأخيرة من حملة مكثفة جدا ضد الدولة والحكومة التركية باتهامها بمساعدة المنظمات الإرهابية التي اعتدت على الأكراد وعلى رأسها "داعش"، تعبئة الصحافة الكردية بتلك الصورة أدى إلى خروج الأكراد بهذه الطريقة المفاجئة والضخمة وفي نفس التوقيت في ست محافظات تركية مشعلين الشارع بأعمال الفوضى والتخريب، وهذا ما أجبر الدولة التركية على فرض منع التجوال في تلك المحافظات الست، ويعتبر الكاتب أن الأشخاص الذين يأخذون الصحافة الكردية الصفراء مصدرا لمعلوماتهم ومصدرا لتحركاتهم وانفعالاتهم، جعلهم يحرقون سيارات الإسعاف ويعتدون على موظفي إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد" الذين يساعدون اللاجئين السوريين، مشبها أعمالهم تلك بأعمال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بحق الأكراد والآمنين.

توصيات

وفي ختام بحثه التحليلي المطوّل يرى الكاتب في معهد "سيتا" يونس أكبابا أن كل الأعمال الجارية في الشارع حاليا تتطلب تدخلا فوريا من الحكومة التركية ومن الحركة السياسية الكردية لإيقافها فورا، وهذا لا يتم –حسب الباحث- إلا من خلال سياسة معتدلة من الطرفين التركي والكردي، أما ما حصل فيجب اعتباره أعمالا إجرامية يتم تقييمها خارج إطار عملية السلام كما يقول يونس.

وأضاف أن أحداث الفوضى التي جرت في الأيام القليلة الماضية أزاحت الأنظار عمّا تمارسه "داعش" في كوباني وسهّل لها الطريق للدخول إليها وطرد أهلها والاعتداء عليهم، لهذا فإن على الأكراد إنهاء حالة التوتر الحالية من أجل إعادة التركيز على القضية الأهم وهي تنظيم "الدولة الإسلامية” حسب رأي الكاتب الذي طالب حزب الشعوب الديمقراطية أن يسحب الأكراد الذين خرجوا عن سيطرته من الشارع التركي حتى لا تتضرر عملية السلام بصورة أكبر، وحتى يبقى التركيز منصبا على ما يجري في عين العرب "كوباني"، أما إذا بقي الأمر كما هو عليه الآن، فإن ذلك سيقود إلى سقوط كوباني وبالتالي عدم تحقيق أي نتيجة إيجابية من الاحتجاجات وأعمال التخريب القائمة حاليا سواء على صعيد عملية السلام بين الدولة التركية وبين الأكراد أو حتى على صعيد الدفاع عن المواطنين الأكراد الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد من قبل تنظيم"الدولة الإسلامية" (داعش).

عن الكاتب

يونس أكبابا

باحث في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس