عمار الكاغدي - خاص ترك برس

لسنوات خمس تقريبًا تأثرت تركيا بشكل مباشر وغير مباشر بما تمرّ به المنطقة عمومًا وبطبيعة الحال سورية خصوصًا؛ ولا بد أنّ كلًا من موقع تركيا الاستراتيجي وإرثها التاريخي والديموغرافي قد ألقى بظلاله بشكل أو بآخر على هذه المرحلة.

حيث دأب الغرب علنًا ومنذ اللحظة الأولى على محاولات هي أقرب إلى "الوقاحة السياسية" لمساومة تركيا على بنود خطيرة يكاد بعضها يقارب أو يحاول المساس بمحرمات الأمن القومي التركي المعروفة دوليًا.

اتسمت ردود الفعل التركية ولسنوات بالتجلّد والتأنّي على الدّوام على الرّغم من الأوراق الكثيرة التي تحوزها بالفعل لإدراك القيادة ما يمكن أن تؤول إليه الأمور فيما لو تم استخدام الورقة الصحيحة المُحقّة في الظرف والوقت الخطأ.

ولكن يخطئ هنا الكثير ممن يصوّر تلك المرحلة وأقصد هنا بالتحديد "مرحلة ما قبل درع الفرات" بأنها كانت مرحلة سلبية من حيث الحضور والتأثير التركي على مجريات الأحداث في المنطقة، والواهم فقط هو من يقتنع بترّهاتٍ من قبيل أن دولة مثل تركيا كانت طوال السنين الخمس الماضية مثقلةً بشأنها الاقتصادي، مكبّلة بهمّ أمنها الداخلي متشاغلة بهذا كله وغيره عن أمنها القومي.

لقد اشتمل ظاهر المحاولة الانقلابية الفاشلة ومبدؤها على الكثير الكثير من الألم والخوف والخطر المحدق، ولكنّ منتهاها ومآلها ما لبث أن بشّر بفتحٍ حقيقي وعلى مستويات عدة يعنينا منها في هذا المقام آخرُها وأجلاها أثرًا على المنطقة برمّتها والمقصود هنا عملية "درع الفرات" والتي كانت الاختبار الفعلي الأول والناجح بامتياز لتماسك الجبهة الداخلية على تنوع مشاربها وأطيافها.

فالبذرة التي بذرها المشاركون في تجمع "يني كابي" بإسطنبول كانت الأسرع نموًا على الإطلاق، وما لبثت أن أينعت وأثمرت  درعًا للفرات .

وهنا وبالوقوف على التسمية المنوطة بهذه العملية فليس من الإنصاف تحليلًا تقييدُ المسمّى باسمه بأن يكون سقف العملية دفاعيًا بحتًا لا يستأصل من العلة إلا آثارها و يشاكل في هذا المعنى درعًا آخر هو "درع الجزيرة" على الحدود السعودية اليمنية فهو بهذا سيستحيل تدريجيًا إلى عملية استنزافية وجرحٍ مفتوح تجنّبته تركيا بصبرٍ بالغ لسنوات فدولة مثل تركيا لم تكن لتصوم طويلًا لتفطر بعد ذلك كما يقال "بصلًا".

ولكنّ الأصح أنّ دلالة اسم "درع الفرات" سياسيًا وإعلاميًا تنطلق من أحقية دولة ذات سيادة بالدفاع عن عمق أمنها القومي والانتقال المشروع والمستند لأسباب قوة من مستوى فاعل إيجابي إلى مستوى أكثر فعالية وتأثيراً على مجريات الأحداث.

وبعيدًا عن طموحات الطامحين وأطماع وخبث الراغبين بتوريط تركيا يبقى على البعض أن يتجهّز من الآن فصاعدًا لقبول وقائع ملموسة جديدة في مرحلة مفصلية جديدة عنوانها "درع الفرات" سيقرأها من يتلمّس أثرها على الأرض "حربة الجنوب".

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس