غالب دالاي  - صحيفة قرار - ترجمة وتحرير ترك برس

تحولت الأزمة السورية بنسبة كبيرة إلى قضية تتعلق بالشمال السوري، ومع أنّ إيران تركز اهتمامها على دمشق ومحيطها، إلا أنّ بقية الأطراف تهتم أكثر بالتطورات الحاصلة في شمال سوريا، ويبدو أنّ مستقبل شمال سوريا سيحدد مستقبل الأزمة السورية، حيث يزداد الصراع والتصادم هناك، ولذلك أعتقد أنّ هناك أربع نقاط رئيسية ستحدد مجرى المشهد في شمال سوريا وفي عموم سوريا بشكل عام:

من أكثر المواضيع الحساسة والمفصلية هي اجتماع كيري-لافروف يوم الجمعة القادم في جنيف، الذي سيتناولون فيه الحديث عن المجموعات التي سيتم ضمها لقائمة "الإرهاب". ونحن تابعنا تصريحات لافروف الواضحة حول أنّ روسيا لن تُخرج جبهة النصرة من قوائم الإرهاب برغم تغيير اسمها وقطع علاقتها بالقاعدة، ووصفها بالإرهاب. وكما قلت في السابق، سيتم استخدام هذه الأداء من أجل الضغط على قوى المعارضة السورية ووضعها في إطار ضيق للغاية، لن يسمح لها بالتأثير على المشهد المستقبلي لسوريا، وبالتالي تخفيف أثر المجموعات الإسلامية على الحياة السياسية السورية في المستقبل.

تُجري الأمم المتحدة ومجلس حظر استخدام الأسلحة الكيميائية منذ زمن، تحريات حول استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا من عدمه، ويُشير التقرير إلى أنّ النظام السوري قد استخدم غاز الكلور مرتين في إدلب خلال عامي 2014 و2015، ويشير إلى أنّ داعش استخدمت غاز الخردل مرة واحدة. وسيصل هذا الملف إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم غد الثلاثاء، وسيعمل مجلس الأمن على "تهذيب" النظام. كما أنه لا يوجد أي ممانعة حقيقية من قبل قوى الإقليم الفاعلة في سوريا لوجود الأسد في فترة انتقالية، كما لا يوجد اعتراضات لدى جميع الأطراف باستثناء إيران، على ضرورة رحيل الأسد بعد الفترة الانتقالية، ولهذا يُراد استخدام الملف الكيماوي بصورة فاعلة، ولذلك اذا تعامل النظام السوري بطريقة لا ترغب بها الأطراف، سيتم استخدام الملف الكيماوي ووضعه على الطاولة.

الموضوع الآخر المهم، يتعلق بمصير قوات سوريا الديمقراطية وارتباطاتها المتمثلة بوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي، حيث يعتبر الأخير العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، لكنه ليس محصورا عليه، وقوات سوريا الديمقراطية هو إطار توافقي، يسعى أكثر إلى إبراز العلمانية في المشهد السوري، لكن وجود عناصر وحدات حماية الشعب بصورة كبيرة فيها، يُبرز الهوية "الكردية" في هذا التشكل، ولذلك فإنّ إخراج وحدات حماية الشعب من قوات سوريا الديمقراطية، سيجعل الأخيرة أكثر وحدة وتوافق. وهذا الوضع يقودنا إلى عدة أسئلة: هل من الممكن انفصال وحدات حماية الشعب عن قوات سوريا الديمقراطية؟ هل من الممكن أنْ تقوم قوات سوريا الديمقراطية بالمهام المطلوبة منها من دون عناصر وحدات حماية الشعب؟ كيف ستنظر تركيا إلى مسألة عبور قوات سوريا الديمقراطية إلى غرب الفرات؟ هل تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية تختلف عن وحدات حماية الشعب؟

أعتقد أنّ إجابات تركيا على هذه الأسئلة، وما ستتبعه من إجراءات في حملتها في شمال سوريا، سيقودنا أكثر إلى معرفة المشهد القادم، لأنّ المنطقة التي من الممكن أنْ تسيطر عليها تركيا خلال عمليتها في جرابلس نظريا تُعتبر منطقة واسعة. ومع أنّ كيري ولافروف يتحدثان بتصريحات متقاربة مع الموقف التركي، إلا أنّ دور وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية لم ينته بعد، ولذلك على تركيا أنْ تجيب عن الأسئلة السابقة وتتخذ سياستها بناء على ذلك.

هل هناك سياسة خاصة تتبعها تركيا تجاه أكراد سوريا خارج وحدات حماية الشعب؟ كيف ستنظر تركيا إلى المجموعات الكردية المعارضة لوحدات حماية الشعب؟ في المحصلة تركيا لن تملأ الفراغ في شمال سوريا إلى الأبد، وإنما سيملأ الفراغ قوى محلية سورية، فهل ستعمل تركيا على ملأ هذا الفراغ من خلال العناصر العربية والتركمانية فقط؟ أم أنها ستُدخل أيضا الأكراد المعارضين لحزب الاتحاد الديمقراطي؟ هذا أيضا موضوع هام وحساس. والإجابات على هذه الأسئلة ستجعل تركيا أكثر وضوحا في مسألة هل إنها تواجه محاولة الإحاطة بها من وحدات حماية الشعب؟ أم من الأكراد؟

لا شك أنّ المرحلة المقبلة في سوريا ستشهد تطورات تكون فيها الأطراف مُجبرة على القبول بها، وهذه هي طبيعة الحلول السياسية في الواقع، لكن الأطراف جميعها لا ترى بأنها وصلت إلى أقصى مرحلة من الممكن أنْ تصل إليها في سوريا، بل يرون بأنّ هناك ما هو أبعد يُمكن أنْ يصلوا إليه، ولهذا علينا متابعة ما يجري من حراك دبلوماسي إقليمي ودولي بكل حذر.

عن الكاتب

غالب دالاي

مدير البحث في منتدى الشرق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس