إمره أكوز – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

نحن أمة لا نعرف تاريخنا، فما يتم تدريسه لأطفالنا في المدارس حول تاريخنا، وتربيتهم على الدين الإسلامي ليخرجوا لنا جيل من المحافظين، لا يستطيع الإجابة على كثير من الأسئلة المتعلقة بالتاريخ والحاضر والمستقبل، لما في ذلك من تناقضات عديدة بين عناصر تاريخنا وما يتم تدريسه وبين النشأة المحافظة التي أصبحنا نربي أطفالنا عليها.

ولو أردنا أن نضرب مثالا بسيطا، لقلنا أنّه قد مرّ مئة عام على الحرب العالمية الأولى، فالشرق الأوسط المضطرب اليوم، قد تم تقسيمه ومشاركته من قبل الانجليز (والفرنسيين) بعد تلك الحرب المشئومة، لتتقسم البلاد وليتم رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط حسب اتفاقية سايكس بيكو.

لقد درسنا وتعلمنا في المدارس، أن دولتنا التركية اليوم جاءت بعد خوضنا لحرب انتصرنا فيها على"سبعة جيوش"، وهذه رؤية "القوميين" الذين أرادوا زرع هذه المعلومة على أنها سبب تأسيس الجمهورية التركية، لكن الحقيقة تقول أنه إذا كنا نتحدث عن تأسيس لدولة تركية على هذه الأرض، فسبب ذلك توافق إنشاء الدولة مع مصالح الانجليز، القوة العظمى آنذاك.

فقد قام أتاتورك وأصدقائه بتقديم ثلاثة وعود أساسية من أجل حصول الأناضول على الاستقلال، وهذه الوعود الأساسية تتلخص في أن أتاتورك قد وعد الإنجليز بأنه "لن يطبق سياسة الخلافة"، وأنه "لن يطالب بحق تركيا بنفط الموصل"، وأن الدولة التركية لن تكون "شيوعية"، حينها فقط استطعنا أن نحصل على موافقة القوة العظمى لنحصل على دولة مستقلة.

وهنا نتساءل باستغراب عن الأمور التي جرت بعد الحرب، فقد قسّم الإنجليز المنطقة إلى أجزاء صغيرة، خرج من خلالها شيء يُسمّى سوريا، ودولة أخرى تُسمى العراق، وحصلنا نحن على دولة تركية، لكن وهم يرسمون هذه الخريطة بيدهم، لماذا لم يمنحوا ملايين الأكراد المتواجدين في المنطقة أراض يقيمون عليها دولة لهم؟ لماذا لم يوافقوا على ذلك بعد الحرب العالمية الأولى؟ هل لأن ذلك لم يكن يتماشى مع مصالح الانجليز في تلك الحقبة من الزمن؟

أعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك ليس لأنهم لم يجدوا "أراضي كافية" ليقيموا عليها دولة كردية، وإنما كان ذلك بسبب "سياسة" معيّنة أراد الانجليز تحقيقها، مبدأ هذه السياسة كان "ليبقى الأكراد ممزقين مشتتين"، هكذا أراد الإنجليز في تلك الفترة لأنهم رأوا أن ذلك هو ما يتماشى ويتوافق مع مصالحهم.

بقي الحال كما هو عليه، إلى أن جاءت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، فبعد مرور قرن كامل على الحرب العالمية الأولى، جاءت لترسم خارطة جديدة لشرق أوسط جديد، محاولة تشكيل أقطاب وجزيئات جديدة فيه، معتبرين الأكراد بالنسبة لهم اليوم أهم حليف في المنطقة.

هذه الرؤية الأمريكية تهمّ وتشغل بال أنقرة بصورة أساسية، فأنقرة تركّز دوما على وحدة الأرض ووحدة السلطة والنظام المدني ووحدة العسكر على أنها أمور مُسلّم بها، ولهذا نرى بعض الاختلافات بين أنقرة وواشنطن، لأن الدولة التركية تخشى أن يتم اقتطاع جزء من أراضيها من أجل المشروع الأمريكي الجديد في المنطقة، ولهذا تعمل بقوة على إظهار "قلقها حول الأمن القومي التركي" للمجتمع الدولي وستبقى تبدي قلقها من ذلك حتى تضمن عدم اقتطاع أي جزء من أراضيها بأي شكل كان.

لكن علينا عدم نسيان أننا نعيش في زمن مختلف تماما عمّا عشناه في الحرب العالمية الأولى وما بعدها، فاليوم أصبحنا نشاهد أن القوى العظمى لا تحرّك جيوشها ولا تقودها إلى حروب تحقق أهدافها، نحن اليوم نعيش في عصر "حروب بالوكالة"، فلا تستغربوا أبدا أننا ربما نواجه طرفا وكيلا لا يعلم لمصلحة مَن يتحرك ولمصلحة مَن يُقاتِل ويُحارِب. لكنني أعتقد أن هذا الوكيل مهما حصل لن يكون أكراد تركيا.

عن الكاتب

إمره أكوز

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس