عبد القادر سلفي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

تدخل تركيا في هذه الأيام مرحلة جديد من المباحثات في خضمّ الحرب ضدّ تنظيم الدّولة الاسلامية. فالولايات المتّحدة الأمريكية تحاول أن توهم الطّرف التركي بأن المسائل العالقة بين البلدين والتي لم يتمّ الإتّفاق عليها، قد تمّ حلّها. فهم بهذه الحملة التكتيكية يريدون تضييق الخناق على الحكومة التركية.

إنّ مثل هذه المناورات الأمريكية في المحادثات باتت مألوفة للحكومة التركية. فهذه ليست المرّة الأولى التي تقوم فيها الإدارة الامريكية بمثل هذه الحملات التكتيكية التي تسعي الى تقييض دور الحكومة التركية في حل مشاكل منطقة الشرق الأوسط.

الولايات الأمريكية تحاول أن تحقّق أمرين اثنين. هما:

1 – الزّج بتركيا في معركة برّية.

2 – استخدام قاعدة "انجيرليك" العسكرية لضرب مراكز تنظيم الدّولة الاسلامية.

أمّا أولويّات تركيا فهي مختلفة تماما:

فالحكومة التركية ترى أنّ القضاء على تنظيم داعش، لا يتمّ إلّا بتحقيق الاعتدال في سوريا والعراق. وذلك من خلال منح العرب السّنة حقوقهم في التمثيل العادل في قيادة الدّولة وإنهاء حكم النظام الأسدي في سوريا. لكن من الواضح أنّ الولايات المتّحدة لا تدرج إنهاء حكم نظام البعث ضمن لائحة أولويّاتها في الفترة الحالية.

فبينما انصبّ تركيز الحكومة التركية على مسألة كوباني، أظهرت المباحثات أن أولويّات الولايات المتّحدة لا تُعير اهتماما كثيراً الى كوباني. بل إنّ القضيّة الرئيسية بالنسبة للأمريكان تتمثّل بالعراق. وعلى الرّغم من قصف قوات التّحالف لمواقع تنظيم الدّولة في بلدة كوباني، إلّا أنّ الهدف الرئيسي هو العراق. وهذا لا يخفى على أحد. حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مسبقا بأنّ الولايات المتّحدة تولي اهتماما أكثر للأزمة العراقية. وإنّ إصرار الولايات المتّحدة لاستخدام القواعد الجويّة التركيّة تأتي من هذا القبيل.

لنعد الآن الى المباحثات الجارية بين الهيئتين التركيّة والأمريكية:

من أجل استكمال المباحثات الجارية بين الطّرفين، قدم بالأمس وفد يتشكل من مسؤولين امريكان للقاء نظرائهم الأتراك. حيث جلس الطّرفان على طاولة المفاوضات في مقرّ هيئة الأركان التركية. فمن المنتظر أن يترأس المفاوضات رئيس العمليّات العسكريّة الجنرال " أردال أوزتورك" بعد عودته من الولايات المتحدة الامريكية. وسيصدر القرار النهائي للمباحثات بعد إطلاع رئيس الاركان التركي ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية على النقاط التقنية التي سيتمّ التّفاهم عليها بين الطرفين.

الجميع يذكر أن الحكومة التركية أعطت تعليماتها للقيادة العسكرية بعد قبول البرلمان المذكّرة التي تفوّض القوّات المسلّحة بالقيام بعمليّات خارج البلاد. وتقوم الهيئة العسكرية التركية بإجراء مباحثاتها مع الوفد الأمريكي بناء على هذه التّعليمات. والنّقاط الهامّة التي تدور حولها المباحثات هي:

1 – منطقة حظر للطّيران الأسدي.

2 – إقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السّوريّة.

3 – استخدام القواعد العسكرية التركية.

لنقم الأن بتحليل المطالب التركية. لأنّ هذه المطالب لها أهميّة كبيرة بالنسبة لتركيا:

1 – منطقة حظر الطّيران: تأتي أهمّية هذه المادّة من كونها سؤمّن الحماية للمناطق العازلة. وكذلك ستمنع الاعتداءات الجويّة لقوّات النظام على هذه المناطق.

2 – مناطق آمنة: تسعى الحكومة التركية الى إقامة مناطق آمنة، إمّا على طول حدودها مع سوريا أو على شكل جيوب متداخلة. وذلك من أجل الحد من تدفّق المزيد من النّازحين السّوريّين الى تركيا، وكذلك إعادة الموجودين الى تلك المناطق.

إلى الآن تمّ الاتّفاق بين الوفدين التركي والأمريكي على مسألة تدريب وتسليح عناصر المعارضة السّورية المعتدلة. لأن الجيش السوري الحر سيشكّل جزءا مهمّا في حال حدوث أي تحرّك برّي. بالإضافة إلى توكيل مهمّة حماية المناطق الآمنة إليه بعد مدّة معيّنة.

ومن المتوقّع أن تتولّى القوّات التركية المؤلّفة من ثلاثة ألوية حماية المناطق الآمنة. لكن بعد فترة معيّنة سيتمّ تسليم مهمة الحماية الى قوات الجيش الحر بعد تدريبهم وتسليحهم. فمن المتوقّع أيضا أن تتكفّل تركيا بتدريب عناصر الجيش الحر وتقوم الولايات المتّحدة بعمليّة التسليح.

3 – إستخدام القواعد العسكريّة: الولايات المتّحدة ترغب في إستخدام قاعدة "اينجرليك" الموجودة في ولاية أضنة وقاعدة "إرهاج" الموجودة في ولاية ملاطيا. وذلك لقلّة تكلفتهما المادّية على الإدارة الأمريكية وقربهما من مواقع التنظيم في العراق.

إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية تصرّ على إستخدام هاتين القاعدتين لضرب مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق دون سوريا. وهذا ما لا تريده الحكومة التركية. لأنّ أنقرة تدرك أنّ الولايات المتّحدة ستقصف مراكز التنظيم في سوريا لفترة زمنيّة محدّدة، ثمّ تتخلّى عن متابعة القصف لتدير وجهتها الى العراق التي تعتبرها الإدارة الأمريكية من أولويّاتها.

لكن إلى الأن لم يتم إتّخاذ أيّ قرار بهذا الشّأن. لأنّ الوفد التركي يطالب بضمانات متابعة قصف مواقع التنظيم في سوريا.

ففي حال قبول الولايات المتّحدة للمطالب التركية، فإن السّماح بإستخدام القواعد العسكرية تبدو معقولة. وذلك لتأمين الحماية الجويّة للمناطق الآمنة التي سيتمّ إنشاءها داخل الأراضي السوريّة.

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس