فخر الدين ألتون – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تعيش حلب هذه الأيام أكبر عملية تدمير تعرضت لها في تاريخها، فالمباني السكنية، والمدارس، والمساجد وحتى المستشفيات تتعرض للقصف العنيف في محاولة للقضاء على شريان الحياة في هذه المدينة. نقول ونكرر إن ما يحدث في حلب ليس أزمة إنسانية فحسب وإنما امتحان وأزمة للوجدان الإنساني. بالطبع المسؤول الرئيس عن عملية الإبادة هذه هو نظام الأسد ولا شك أن روسيا الشريك الأكبر في هذا الجرم لكن يجب أن لا نغفل عن الشريك المختبئ وراء الكواليس. ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية. فالنظام الأمريكي وعلى مدى ست سنوات من الحرب السورية عمل على تعميق هوة الأزمة ولم يألُ جهدا في ذلك حتى آلت الأمور إلى ما نراه اليوم. وتَحتَ حُجّة أن ذهاب الأسد يعني وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا، عملت واشنطن على خداع الأطراف لتصرف النظر عن الأزمة. وبدلا من استراتيجية لاحتواء الأزمة اتبعت أسلوب فرض السيطرة السياسية من خلال إشعال الأزمة وإدارتها.

فتحت إدارة أوباما المجال أمام التدخل الروسي، ولم تراعي اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة قبيل أسبوعين، هذه الاتفاقية لم تستمر ليومين متعاقبين إذ إن القوات التابعة لنظام الأسد لم تبقى شيئًا دون أن تصيبه صواريخها في مدينة دير الزور، حتى أنها لم تتوانى عن قصف "محطات تجميع النفايات" في المدينة. كما سبقتها مدينة حلب التي كانت حلبة للممارسات اللاإنسانية.

وكأن كل هذا لم يكن كافيًا، قدمت الولايات المتحدة من خلال روسيا الاعتذار لقوات الأسد التي كانت تمطر الأبرياء بوابل من الصواريخ والقنابل بشكل لم تشهده الحرب من قبل. هذا الأمر يبين بوضوح وبشكل لا يقبل اللبس أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من يقف خلف الأعمال الوحشية والممارسات اللاإنسانية والظلم والتدمير في حلب.

هل من المتوقع أن يتغير موقف واشنطن مع بداية الحقبة الرئاسية الجديدة؟ إن انتظار تحول حقيقي راديكالي في السياسة الأمريكية أمر صعب. فبغض النظر عمن سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة هناك سؤال بحاجة للإجابة ألا وهو: "ما هو موقع الولايات المتحدة الأمريكية من القضايا العالمية في الفترة الرئاسية القادمة".

يمكننا أن نلحظ وجود ثلاث وجهات نظر مختلفة ومتنافسة بخصوص الموقف من نظام الأسد. كل من مرشح الحزب الديمقراطي دونالد ترمب ومرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون يتأرجحون بين التيارات الثلاث هذه والمتمثلة بما يلي:

ألا ينبغي أن تتخلى الولايات المتحدة عن حمل هموم العالم باسره وتلتفت إلى ذاتها وتركز على حل مشاكلها الداخلية وعلى رفع المستويات الاقتصادية بشكل يزيد مستوى الرفاهية.
كلا، فالولايات المتحدة مطالبة بالانفتاح على الخارج ومشاكله سواء رغبت أم لم ترغب، تقوقع الولايات المتحدة على ذاتها يعني عدم قدرتها على مواجهة الأزمات العالمية التي ستتأزم وستبقى واشنطن دون قدرة على المواجهة والدفاع، الأمر الذي يترتب عليه عدم استقرار داخلي. ولهذا على الولايات المتحدة أن تشارك وتسعى لإيجاد حلول سريعة وعاجلة للأزمات.

الولايات المتحدة مطالبة بالمحافظة على الدور الذي لعبته منذ عام 1945م والمتمثل بـ"دولة/شعب ريادي". وبالتالي فإنها مطالبة بإيجاد وطرح حلول سياسية للحفاظ على القيم السياسية العليا مثل "الديمقراطية"، و"حقوق الانسان" و"حرية التعبير". وهذا الأمر يتطلب بالتأكيد وبشكل لا يقبل النقاش أن تتخذ موقعًا بارزًا في هذه الصراعات.

حسنا ولكن أي من الخيارات المطروحة أمام الرئيس الجديد للولايات المتحدة يحمل الخير لشعوب منطقتنا وأيها أفضل لنا؟ للأسف لا إجابة واضحة وقطعية لهذا السؤال. فإدارة أوباما عملت على المزج بين الخيارين الأول والثالث وعملت على استخدام والإشارة إلى الخيار الثالث في خطاباتها. يبدو من المؤشرات الحالية أن هيلاري كلينتون ستعمل على المزج بين الخيارين الثاني والثالث. أما ترمب فسيمزج الخيارات الثلاث ويضيف عليها أفكار جديدة تمثل انعكاسًا لتوجهاته السياسة.

على الولايات المتحدة أن تتخلى في الفترة الرئاسية القادمة عن موقف "الهيمنة غير المسؤولة" وأن تعمل "بعقلانية" وتتعاون مع دول المنطقة وعلى رأسها تركيا وتتبع سياسة رشيدة بهذا الخصوص. وفي ذات الوقت يجب على واشنطن أن تتخلى عن محاولات التضييق على أنقرة باستخدام الأحزاب والتنظيمات الإرهابية التي تدعمها مثل جماعة غولن وحزب العمال الكردستاني وعن محاولات التضيق المتمثلة بالخطابات الإعلامية وما تحويه من رسائل مبطنة تركز على قضايا مثل حرية الإعلام وحرية التعبير وغيرها.

عانت الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة أوباما من مشاكل مع جميع الأطراف الصديقة والحليفة لها كان آخرها الأزمة مع المملكة العربية السعودية إثر محاولات ربط بين السعودية وهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، هذه الأزمة التي يتوقع أن تكون إحدى أهم القضايا على جدول أعمال سياسة واشنطن في الشرق الأوسط للفترة الرئاسية القادمة.

يُخيل لي أنه من الأفضل لنا بدلًا من انتظار التفهم من الولايات المتحدة أن نعمل على إنتاج سياسة داخلية وخارجية جديدة، ونستمر في مكافحتنا للإرهاب وندخل بشراكات ولو على نطاق ضيق مع مختلف الأطراف المؤثرة ونسعى لبناء أرضية مناسبة للدخول في شراكات مؤقتة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس