محمود أوفور - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

مع ازدياد كثافة الحصار على مدينة الموصل يتوارد لأذهاننا هذا السؤال: هذه حرب من أجل ماذا؟ لأن التمعن بالأطراف المتقاتلة في هذه الحرب يبعث على الدهشة، فمن جهة تقاتل القوة العالمية أمريكا إلى جانب 65 دولة، أما الطرف الآخر فهو تنظيم جديد لم نكن نسمع به من قبل ونشاهد ما يقوم به من مشاهد وحشية لقطع الرؤوس وتفجيرات انتحارية في مناطق مأهولة بالسكان.

العالم بأكمله يقاتل تنظيمًا ظهر على حين غرة، بحوالي 100 ألف مقاتل برا وبأحدث الأسلحة التكنولوجية الجوية والبرية، ربما لم يمر في تاريخ البشرية أغرب من هذه الحرب، وكثير من الناس يتأثرون بهذه الحرب لأن تنظيم داعش الوحشي متمركز منذ سنتين في الموصل ولا أحد يحرك ساكنا.

كيف ترك الجيش العراقي المؤلف من 40 ألف مدينة الموصل لقمة سائغة لتنظيم داعش؟ وبقيت داعش سنتين في المدينة ولم يمسها أحد بسوء، وأثناء ذلك كانت تقوم بهجمات على مدن مثل كوباني ثم تنسحب منها، وحتى روسيا لم تمس داعش أبدا عندما دخلت إلى سوريا بل هاجمت المعارضة السورية فقط، ولم يقترب أحد أبدا من مركزي تنظيم داعش الموصل والرقة.

لماذا يا ترى؟

هذا السؤال لم تتم إجابته، ولا أحد يريد الإجابة عنه، لكن يتم طرح بعض الإجابات غير المقنعة مثل: ضعف القوة العسكرية لدول المنطقة، والمشاكل الداخلية التي تتعرض لها دول المنطقة.

بعد سنتين وبالأحرى بالنظر إلى ما فعله تنظيم داعش فإن سؤالًا يطرح نفسه: "يا ترى هل شارفت مهمة داعش على الانتهاء بإيعاز من الإنكليز؟".

إن هذه الحرب ليست ككل الحروب العسكرية بل لها مؤشرات تدل على أنها حرب سياسية اقتصادية، وقد تطرقت من قبل لمسألة أن لهذه الحرب أبعاد اقتصادية، ففي العراق يوجد أكبر مصدر للطاقة في العالم، وانظروا إلى هذه الأرقام:

لقد ثبت أنه يوجد في العراق احتياطي بترول يقدر بـ143 مليار متر مكعب، 45 مليار متر مكعب من هذا الاحتياطي موجودة في الموصل و10 مليارات متر مكعب منها في كركوك، أما في شمال العراق فالتوقعات تقول بوجود 3.2 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهذا المقدار يكفي لسد احتياج تركيا لمدة 300 عام.

فقط قيمة احتياطي البترول والغاز الطبيعي في كل من الموصل و كركوك وشمال العراق تقدر بـ150 مليار دولار أمريكي، هذا رقم مدهش، ليس فقط سكان العراق يستطيعون أن يعيشوا برفاهية بل دول المنطقة بأكملها يمكنهم أن يعيشوا برفاهية لمئات السنين.

إذا لماذا تتقاتل دول المنطقة بالرغم من معرفتها بهذه الحقيقة؟ أو بالأحرى لماذا لا يحررون المنطقة من تهديدات التنظيمات الإرهابية كداعش؟

هنا تتّضح أبعاد هذه الحرب السياسية، فاليوم تعيش هذه المنطقة "حرب توزيع القوة والطاقة العالمية الجديدة".

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نشأت هذه الحرب الجديدة التي تستخدم مفهوم الإسلام والإرهاب، فبعد احتلال أفغانستان والعراق والفوضى التي حدثت والربيع العربي الذي أخل باستقرار المنطقة وخرج عن السيطرة، هذا هو المطلوب أصلا، فالسيناريو واضح جدا وهو تدمير العراق وسورية بإشغالهم بالحرب الداخلية وتركيع مصر بالانقلاب ومحاصرة تركيا بالإرهاب من الداخل والخارج، وأخيرا إجبار السعودية على قبول هذا التقسيم الجديد بتخويفها.

وكان من أقوى أسلحتهم أنهم ربطوا الإسلام بداعش الإرهابي واستطاعوا أن يقنعوا العالم بذلك، ولهذا السبب لدينا 65 دولة اليوم تقاتل داعش في الموصل.

شيء لا يصدق لكنه هو الحقيقة التي إذا لم تتغير فلن يحل السلام في المنطقة ولا في العالم.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس