فخر الدين ألتون - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

ميّز العقد الأول من الألفية الجديدة بداية تحول سريع لتركيا، وعلى الرغم من كافة الانتقادات يمكن القول: إن تركيا تبذل جهودا في الداخل من أجل التحول الديمقرطي والتسوية، وتبذل جهودا على المستوى الدولي لاستقلالية التوجهات.

وحتى عام 2010 ، أي قبيل اندلاع الثورات العربية، كان معدل التغيير في تركيا أسرع بكثير من التغيير المستمر في المناطق المحيطة بها، وفي أعقاب الثورات العربية كان معدل التغيير في تركيا أقل من محيطها. وفي حين جلب معدلُ التغيير السريع في تركيا حتى عام 2010 الاستقرار في المشهد السياسي ونموا كبيرا في الاقتصاد، فإن التحول السريع الذي عرفته المناطق المحيطة بها في أعقاب الثورات العربية لم يجلب معه سوى عدم الاستقرار والتشتت والفوضى. وعلى مدى السنوات الست الماضية تحاول تركيا حماية نفسها من المسار السلبي للأحداث المحيطة بها، وتعمل في الوقت نفسه على الحفاظ على استقرارها ونموها الاقتصادي.

وإلى جانب هذا تعرضت تركيا لحرب منخفضة الحدة منذ عام 2013 ، انطلاقا من مظاهرات "غيزي بارك"، مرورا بالتدخلات التي بدأتها الدولة العميقة، انتهاء باستخدام جماعة غولن الإرهابية " فيتو" للقوة غير المشروعة، وزادت الأمور سوءا بالموجة الإرهابية الجديدة لحزب العمال الكردستاني، وكانت آخر حلقة في الحرب المنخفضة الحدة هي محاولة الانقلاب في تاريخ 15 من يوليو/ تموز، إذ تمكنت تركيا من التغلب على هذه  الاعتداءات بحماية الاستقرار السياسي، ومن دون إلحاق الضرر بالسلام المجتمعي أو قبول تراجع نموها الاقتصادي. وعلاوة على ذلك أتاحت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو خلق جو من الوحدة الوطنية المتماسكة، ووضع أسس التحالف في المجال السياسي، وبدء عملية إعادة هيكلة فعالة لمؤسسات الدولة.

كانت تركيا قادرة على البدء في العمليات العابرة للحدود بعد 40 يوما فقط من محاولة الانقلاب، وهي العمليات التي لم تتمكن من إطلاقها على مدى ما يقارب من ثلاث سنوات، كما حققت عملية درع الفرات نجاحا كبيرا ضد داعش، إذ طهر الجيش التركي بدعم الجيش السوري الحر خط أعزاز جرابلس من تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي أدى إلى تقدّم الجيش الحر نحو مدينة الباب.

في اليوم الذي استولت فيه القوات التركية على مدينة دابق بدأت عملية الموصل ضد داعش، وكانت أزمة بعشيقة التي بدأتها الحكومة المركزية في العراق بتشجيع إيراني وتجاهل أمريكي تهدف إلى إبعاد تركيا تماما عن عملية الموصل، لكن الرئيس التركي كان قد أعلن في الأسبوع الذي بدأت فيه عملية درع الفرات أن تركيا ستشارك في العمليات ضد داعش في الرقة والموصل أيضا. ومما لا شك فيه أن هذا التصريح اعتبر تهديدا لحزب العمال الكردستاني الذي يريد إنشاء منطقة سيطرة جديدة له في المنطقة. وبعد أن أدرك حزب العمال الكردستاني أنه سيخسر وجوده غربي نهر الفرات في أعقاب عملية درع الفرات، تبنى استراتيجية التوسع في العراق، وفي هذا الصدد بدأ الحزب في إقامة جدار شائك في سنجار القريبة من تلعفر.

 إنّ هذا الوضع، قبل أي شئ آخر هو ما جعل المشاركة التركية ضرورية في عملية الموصل، ولم تكن الاعتبارات السياسية فقط هي التي دفعت بها إلى الرغبة في المشاركة في العملية، تعتقد تركيا أيضا أن الجهات الخطأ قد دُفعت إلى الميدان، ونتيجة لذلك فإنه من المرجح أن تبدأ عمليات الانتقام من القطاعات السنية في الموصل، وهذا يعني تكريسا للصراعات العرقية والطائفية على المدى الطويل في المنطقة، ولسوء الحظ فإن الحكومة المركزية في العراق التي لا تملك القوة ولا الصراحة تدعم الجهود في هذا الاتجاه.

هذه العملية مستمرة في وقت وضعت فيه تركيا مفهوما جديدا للأمن القومي، يضم هذا المفهوم الأمني الجديد أربعة عوامل: الأول أن تكون قوات الأمن التركية قادرة على الدخول في عمليات عسكرية خارج حدودها، والثاني هو إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات الوطني بحيث يكون نشطا على الساحة الدولية، والثالث هو إنشاء قواعد عسكرية خارج الحدود، والرابع تحديث الصناعات العسكرية التركية.

هذه الحقبة الجديدة تدفع تركيا من الخطاب البسيط إلى السياسة الاستباقية الحقيقية في السياسة الخارجية. إن الخطاب الذي يشير إلى أن هذه النزعة التركية جاءت نتيجة دوافع أيديولوجية وسياسة مثالية هو جزء من الدعاية التي بدأها أعداء تركيا.

تسير تركيا في السياسة الخارجية بمبررات واقعية تماما، إن صراع تركيا مع المنظمات الإرهابية والعلاقات التي عززتها مع دول أخرى نتاج هذه المبررات. 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس