مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

إنكار مجرم الحرب لجرائمه

ليكمل السفاح المجرم بشار الأسد مسلسل إرهابه وبربرتيه، وبعد أن أحرجه مذيع قناة SRF1 السويسرية بصورة الطفل عمران دقنيش- الذي أنقذه عناصر الدفاع المدني السوري المعروفين بـ"أصحاب القبعات البيضاء" من تحت الأنقاض في حلب  أغسطس الماضي- أنكر مجرم الحرب "الأسد" أن تكون هذه الصورة حقيقية، وادعى بأنها مفبركة، وأن الرجال الذين أنقذوا الطفل عمران ما هم إلا الوجه المجمّل لجبهة النصرة، وقال للمذيع عن عمران وشقيقه: " لقد تمّ إنقاذهما مرتين، كل مرة في حادث منفصل، فقط من أجل الترويج لمن يسمّون بالقبعات البيضاء، لم تكن أي من هذه الحوادث حقيقية، يمكن التلاعب بالصور، وهذه الصورة تمّ التلاعب بها، سأرسل لك هاتين الصورتين وهما موجودتان على الإنترنت، فقط لترى أن هذه الصورة بالتحديد مزورة وليست حقيقية).

ليس مستغربا إنكار الأسد لجرائمه بحق الشعب السوري، فقد أنكر الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية بدمشق، والذي نتج عنه  نقل أكثر من 3600 حالة إلى المستشفيات، ومقتل ما بين 1429 و1466 سوريا، معظمهم من الأطفال والنساء، هذه الجريمة ضد الإنسانية والتي استنكرها أحرار العالم كلهم، وطالبوا بمحاكمة من كان وراءها، والكل يعلم من وراءها، ويصر غبي آل الأسد على إنكارها، كما ينكر أن الشعب السوري ثار على حكمه ونظامه.

حقد الأسد على أصحاب الخوذ البيضاء

لكن المستغرب أن يتهم مجرم الحرب، أصحاب الخوذ البيض بأنهم وجه يجمل جماعة متهمة بالإرهاب، وفي تصريحات أخرى اتهمها بالإرهاب صراحة، وأنها تحرض الشعب السوري على حرب النظام ومعاداته.

لوكان لجبهة النصرة رجال مثل أصحاب القبعات البيضاء لكان ذلك من حسناتهم العظيمة، والتي يجب أن يفتخروا بها ويعتزوا بدورها، ولكن كما يقال " وتلك شَكاَةٌ ظاهرٌ عنك عارُها"، فليس بمثل هذا الأمر يعير الناس.

أصحاب القبعات البيضاء الكرام أول من يجدهم السوريون حينما تباغتهم براميل الغدر والحقد والانتقام، والتي يصبها الأسد وزبانيته على الشعب السوري صبا، فهم المنقذ الوحيد –بعد الله تعالى- لهذا الشعب الذي تآمرت عليه الأمم شرقها وغربها.

الخوذ البيضاء من رحم الثورة السورية

فمن رحم التنسيقيات المدنية السورية التي تشكلت بعد اندلاع ثورة الشام عام 2011،  تكونت فرق القبعات البيض (فرق الدفاع المدني المتعددة المهام) من سوريين غير مختصين في عمليات البحث والإنقاذ والإطفاء والإسعاف، جاؤوا من مهن مختلفة لا علاقة لها بواجبات الدفاع المدني، اختاروا تطوعا، تسلق الركام والبحث بأيدهم تحت الأنقاض عن ناجين محتملين أو جثث ضحايا، وتنظيف الشوارع وإطفاء الحرائق، وإنذار المدنيين من الضربات والأخطار، و إخلاء المناطق التي يقترب منها الصراع، مع توفير خدمات عامة للشعب السوري في المدن والمحافظات التي يسيطر عليها الجيش الحر وباقي فصائل المعارضة المسلحة.

الخوذ البيضاء..تضحيات وبطولات

وعلى الرغم من قلة الإمكانات و غياب الآليات المناسبة وتعرضهم لما يتعرض له المدنيون، فإنهم يستبسلون في التضحية  بحياتهم من أجل إخراج من كتب الله تعالى له الحياة تحت الأنقاض ومخلفات الصواريخ القديمة منها والحديثة.

هؤلاء العظماء يتحدون القنابل الحرارية والفراغية، وقنابل "النابالم" الحارقة، كما أظهروا في "حلب الشهباء" صمودا خرافيا أمام الصواريخ المتطورة جدا "X-101" وهي صواريخ  ارتجاجية تستطيع خرق التحصينات الأرضية لملاجئ المدنيين وتدمير أهداف متعددة متحركة وثابتة بدقة عالية.

 أصحاب القلوب البيضاء الذين يسخر منهم أبو الإرهاب العالمي"بشار" ،أنقذوا 62000 شخصا من تحت الأنقاض، بالإضافة إلى إدارة ملاجئ الطوارئ والتحقق من المناطق الخطرة، والدفن الطارئ للموتى، وتوفير سكن الطوارئ والمؤونة للمدنيين، وإصلاح الطارئ للمرافق العامة الأساسية، وإزالة مظاهر التلوث، وترميم الطرقات الرئيسة، والمساعدة في إعادة النظام العام والحفاظ عليه، وكل النشاطات الإضافية السلمية الأزمة للقيام بالمهام المذكورة، لا يتردد أصحاب القبعات البيض في القيام بها مع الإتقان والتفاني في ذلك.

وليس الموت وحده الذي يواجهونه، بل كذلك الضغط النفسي الذي يدفعهم للتسابق مع الزمن من أجل البحث تحت الركام عن المصابين ونقلهم إلى المشافي، وإخراج الجثث لدفنها، قال "عمار السلمو" مدير الدفاع المدني بحلب، موضحا حجم الضغط الذي يعيشه متطوعو الدفاع المدني السوري : (حتى نستطيع استيعاب حجم الضرر والتهديد والدمار للمأساة الحاصلة في سوريا بشكل دقيق علينا أن نتخيل حدوث زلزال بدرجة 7.6 ريختر خمسين مرة في اليوم الواحد).

وسلاحهم أمام هذه الكوارث المركبة، إيمانهم بالله ثم إيمانهم بعدالة قضيتهم وصدق إنسانيتهم.

"إنقاذ حياة إنسان" غايتهم وجائزتهم وفرحتهم الكبرى، لا تهمهم جوائز المنظمات والدول، وإن بخلوا بها عليهم قصدا.

مجازر وقصف ودمار على مدار الساعة هي ميدان عملهم بين الركام،  يأكلون طعامهم بجانب بقايا الصواريخ، يقيمون صلاتهم، كل تلك الصعوبات والمحن لم تثنِ من عزيمة رجال وضعوا نصب أعينهم إنقاذ السوريين وتقديم الخدمات لهم حتى ولو كلفهم ذلك حياتهم.

 أصحاب القبعات البيضاء ليسوا أبطالا من صنف "الجندي المجهول" كما وصفتهم وسائل الإعلام، بل هم "جندي معلوم"، العالم كله رأى تضحياتهم وشجاعتهم والتي لا يتصف بها إلا مؤمن بعدالة قضيته وصدق ثورته، بشر زاحموا الموت طمعا في نفس حية أو جثة شهيدة.

أصحاب الخوذ البيضاء رمز من الرموز الإنسانية والسلام والتضحية والبطولة، في زمن أصبحت هذه القيم عناوين من دون مضامين.

 من قال: إنهم محايدون في الثورة السورية فقد أخطأ، فهم لم يقفوا مع الباطل والبربرية والاستبداد والإرهاب ولم يساندوه، بل فضحوه بإنسانيتهم وتضحيتهم وبطولاتهم المتتالية، لذا رفض النظام البربري أن يعملوا بمناطقه، وسخر منهم واتهمهم بكل نقيصة فيه، ابتداء بالخيانة ونهاية بالإرهاب.

 أصحاب القبعات البيضاء أحد أركان الثورة السورية و سبب أساس في استمرارها، وصمود الشعب السوري أما همجية النظام ورعاته ونفاق العالم وكذبه، فالأسد يوزع الموت بأسباب مقدرة، وهم يحيون الأرواح بأطواق النجاة كثير ما تكون حياتهم جزءا من ذلك الطوق، فاستحقوا شعارهم الرباني{وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } [سورة المائدة من الاية32].

حفظكم السلام أصحاب الخوذ البيضاء.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس