متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

زار رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جو دانفورد، أنقرة في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني، وعقد اجتماعا استغرق أربع ساعات ونصف الساعة مع نظرائه الأتراك.

دفعت هذه الزيارة المفاجئة  التي لم يكن مخططا لها البعض إلى التساؤل عما إذا كانت هناك قطيعة بين فكر أنقرة الاستراتيجي في العراق وسوريا، وبين أهداف الولايات المتحدة في المنطقة. وسيحاول هذا المقال تحليل العوامل التي دفعت إلى زيارة دانفورد، وسيناريوهات ما تفكر فيه أنقرة.

فوجئت أنقرة تماما بعملية الرقة التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية " قسد" في السادس من نوفمبر، إذ كانت أنقرة تتوقع أن تبدأ العملية بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية في الثامن من نوفمبر. تسيطر وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني على قوات سوريا الديمقراطية، وتعد تركيا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.

في عملية السادس من نوفمبر تجاهل قرابة 25 ألفا من مقاتلي وحدات حماية الشعب الذين كانوا قد سيطروا على مقاطعتي كوباني والجزيرة، تركيا وشنوا هجوما باتجاه الرقة في الجنوب. أخلى الأكراد عمليا المقاطعتين، وتركوا الباب مفتوحا على مصراعية لهجوم تركي محتمل. إن كانت أنقرة جادة في عزمها على التدخل في شرق نهر الفرات، فإن المنطقة الآن مهيئة لعملية مماثلة لدرع الفرات. وهذه هي الطريقة التي يجب أن نقرأ بها زيارة دانفورد.

قال مصدر أمريكي للمونيتور مشترطا عدم الكشف عن هويته "إن ما يزعج واشنطن في الوقت الحاضر هو زيادة تغير مواقف أنقرة، وحالة عدم اليقين الناجمة عن ذلك. ولذلك قيل لنا إن زيارة دانفود ولقاءه الطويل في أنقرة يفسر على أنه رسالة مفادها" لا تفعلوا أي شئ متهور في هذه الفترة الحساسة".

هل يرجح أن تتخذ أنقرة إجراء متهورا غير متوقع ؟ لكي نعثر على الإجابة يجب علينا أن نحلل ثلاثة عوامل: دعم الشعب التركي، وهو أمر ضروري لعملية لعبور الحدود داخل سوريا والعراق، والثاني أن تكبح الولايات المتحدة تركيا، والعامل الثالث القدرات الحالية للجيش التركي.

ما هو موقف الشعب التركي من عملية لعبور الحدود؟ وفقا لاستطلاع أجرته شركة إيه أند جي للأبحاث في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني أيد 91% من الأتراك شن عمليات عسكرية لمكافحة الإرهاب داخل تركيا.

أما بالنسبة إلى سوريا والعراق، فقد أيد 78% من الأتراك المستطلعة آراؤهم عمليات عسكرية محتملة هناك. وأظهر الاستطلاع أن 88% يؤيدون قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان للشؤون الأمنية. وعلى الرغم من أننا لا نملك أي معلومات عن منهجية الاستطلاع، وما إن كانت النتائج تمثل الشعب التركي، فإن هناك حقيقة واحدة يصعب تجاهلها، هي أن أردوغان يملك الدعم الشعبي لعمليات مكافحة الإرهاب داخل تركيا وفي سوريا والعراق.

هل هذا كاف لأنقرة لشن عملية في العراق وسوريا؟ وما هي خيارات أنقرة العسكرية هناك؟

هدف أنقرة الرئيس في شمال سوريا هو إيجاد وسيلة للمشاركة في العملية التي انطلقت في السادس من نوفمبر شرقي نهر الفرات، والهدف الاستراتيجي وارء ذلك هو الرغبة في إنهاء سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني،على مقاطعتي كوباني والجزيرة. إن لم تتمكن أنقرة من فرض وجودها العسكري الكامل شرقي نهر الفرات، فإنها ستفعل ذلك بتطهير مدينة الباب من تنظيم الدولة الإسلامية، وتطهير منبج من وحدات حماية الشعب الكردي، ومن ثم إيجاد منطقة عازلة مستطيلة تتكون من جرابلس ومنبج والباب والراعي.

لدى أنقرة هدفان رئيسان في العراق: زيادة التأثير التركي في شمال الموصل، وأن تشارك بالتالي في عملية الموصل، وإنهاء سيطرة حزب العمال الكردستاني على منطقة سنجار التي تشكل جسرا بين سوريا والعراق. وهذا يعني أيضا شق ممر حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل في العراق إلى شمال سوريا. تعتقد أنقرة أن من الضروي قطع ممرات الميليشيات الشيعية، أحدها في شمال غرب العراق وسوريا، والآخر من سوريا إلى لبنان، وبعبارة أخرى فإن السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى أنقرة هو أن تطوق بممر شيعي من إيران إلى لبنان في الجنوب، وممر حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل إلى عفرين في الشمال.

ونظرا لأن الولايات المتحدة كانت تكبح تركيا، فقد استقبل فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية بكثير من التفاؤل في أنقرة. تعتقد كثير من الشخصيات المهمة في أنقرة أن فريق ترامب الانتقالي سيفهم دينامية الوضع في العراق وسوريا، وسيدعم أنقرة في حربها على حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، وكفاحها ضد تنامي النفوذ الشيعي في العراق. ليس من الصعب تخمين أن أنقرة ستركز على إقامة علاقات جيدة، وبالتالي زيادة التعاون مع فريق ترامب إلى أن يتولى مهام منصبه في العشرين من يناير /كانون الثاني. تنهمك فرق حزب العدالة والتنمية على متابعة الجهود الدبلوماسية في نيويورك وواشنطن.

كيف ستفرض أنقرة الضوء الأخضر على إدارة ترامب؟ يمكن العثور على الجواب في نشر التعزيزات العسكرية التركية على الأرض، فقد حشد الجيش التركي في الوقت الراهن تعزيزات في غرب نهر الفرات حيث تتقدم عملية درع الفرات، ونشرت تركيا لوائي مشاة ميكانيكية ولواء مدرع ولواء مغاوير على امتداد حدودها المتاخمة لهذه المنطقة. يعتمد الجيش التركي على مدفعية الهاوتزر عيار 155 مم التي يصل مداها إلى 30 كيلو متر لتمشيط منطقة شرقي الفرات. ولعى الرغم من أجيش التركي نقل اللواء 28 مشاة ميكانيكي من أنقرة إلى سيلوبي على الحدود العراقية،فإن هذه القوة ليست كافية لشن عملية في الموصل أو في تل عفر في العراق.

تواجه أنقرة مشكلة أخرى في شمال سوريا، وهي عدم قدرة طائراتها على التحليق فوق تلك المنطقة متى شاءت. لا يكمن حل هذه المشكلة في واشنطن ولكن في موسكو. أدت الجهود الدبلوماسية المكثفة مع موسكو إلى نتائج إيجابية، فقد جاءت الهجمات التي شنتها الطائرات التركية في الثالث عشر من نوفمبر على أهداف لوحدات حماية الشعب الكردي حول قرية غزاوي في مقاطعة عفرين، في أعقاب زيارة رئيس الأركان الجنرال خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان لموسكو.

تريد أنقرة بالقصف المدفعي المستمر والغارات الجوية منع وحدات حماية الشعب الكردي من التقدم في اتجاه مدينة الباب. وحتى الآن يبدو أن موسكو موافقة على ذلك.

إن قدمت واشنطن وموسكو الضوء الأخضر لأنقرة، فماذا سيكون الهدف ذو الأولوية لدى أنقرة، ومتي يرجح أن تتحرك؟

أتوقع أن تكون منطقة غرب الفرات الأولوية الاستراتيجية لأنقرة . ستبذل أنقرة كل ما في وسعها لتوجيه حليفها الجيش السوري الحر إلى مدينة الباب، وهذا يفسر سبب ضغط تركيا على موسكو للسماح للطائرات الحربية التركية بالتحليق فوق الباب لتقديم الدعم لقوات الجيش السوري الحر. نفهم من العملية الجوية في الثاللث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني على أهدف لوحدات حماية الشعب في عفرين، أن موسكو قد سحبت اعتراضاتها على تحليق الطائرات التركية في المجال الجوي السوري.

إذا استولت أنقرة على مدينة الباب، فإن هدفها التالي سيكون مدينة منبج، لكن ذلك سيعتمد على التقدم مع فريق ترامب. تتمركز قوات الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا اليوم على بعد ستة أميال من الباب، وتحقق تقدما بطيئا، لكن كثيرين يتوقعون مقاومة عنيفة من داعش في المدينة، حيث حفرت خنادق هناك منذ فترة طويلة. ستثبت النتيجة التي تتمخض عن عملية الباب بطريقة ما قوة التعاون وفعاليته بين أنقرة والجيش السوري الحر في الميدان.

هل تستطيع أنقرة التي يبدو أنها حصلت على تأييد شعبي مضمون في الداخل، ولديها قوات كافية غربي الفرات، أن تقنع موسكو أولا وتستولي على مدينة الباب، ومن ثم إقناع واشنطن بالسماح للجيش السوري الحر بالاستيلاء على منبج؟ من الواضح أن مثل هذه الاسئلة الحساسة تشير إلى الحاجة إلى التزامن السليم بين النجاح العسكري على الأرض والمفاوضات الدبلوماسية.

والآن ومع التغيير الجذري في واشنطن، هل ستتساءل الإدارة الجديدة ما إن كانت تركيا ستقدم على عمل شئ متهور، مثلما فعلت الإدارة الأمريكية الحالية، أم أن ترامب سيتوافق مع خطط تركيا؟

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس