عمار الكاغدي - خاص ترك برس

بإعجابٍ كبير استقبلت الشعوب العربية بوادر النّهضة التركية أوائل القرن الحالي، واستمرّت مواكبتهم لتنامي الدّور التركي إقليميّاً ودوليّاً مع مشاركةٍ فعليّة لبعض المستثمرين العرب في الجانب الاقتصادي.

الإرث التاريخي المشترك والواقع العربي المتردّي كلّها عوامل جعلت من النّموذج التركي نموذجاً تشرئب له الأعناق في العالم العربي , وربّما يصدق فيه قول القائل: " ليس في الإمكان أبدع مما كان " فالتعقيدات المحيطة بالمنطقة والسِّباحة عكس التيّار الاستبدادي المخيّم على المنطقة لعقود طويلة, كل هذا وأكثر كان عبارةً عن عصيّ يدكّها الغرب في عجلة أي حركة إصلاحية حقيقية, فما بالك إذا كانت مستندة إلى مرجعية إسلامية بشكل أو بآخر؟!,  ليس في المقولة السّابقة أي دلالة على اعتبار النموذج التّركي مثاليّاً خالياً من العيوب  فصانع القرار التّركي ذاته اعترف وما يزال يعترف بأنّه صاحب تجربة قد يعتريها العيب هنا أو هناك ولذلك فهو طوّر وما يزال يطوّر في رؤيته وتطبيقها على أرض الواقع.

كلّ ما سبق من كلام وأضعافه من الحجج المنطقية لم تفلح حتى اللحظة في إقناع فريقين في عالمنا العربي وقفا على طرفي نقيض بشأن حقيقة الدّور التركي.

فريقٌ رأى في تركيا وقادتها دوراً محدّداً صاغوه في أذهانهم و أسبغوا عليها وعليهم صفاتٍ لم ينطق بها مسؤول تركي واحد على أي مستوى من قبيل "الخلافة الإسلامية , خليفة المسلمين أردوغان........الخ واتّخذوا من تركيا معقِدَ الآمال لحلّ مشاكل العالم الإسلامي قاطبةً ووضعوها على الدّوام في موقع الندّ لأمريكا و الاتحاد الأوربي مجتمعَين ولكنّهم بالطبع لا يقصّرون في دَورهم الفعّال في إعلاء الهتافات التي تدعو المارد العثماني لينفض عن نفسه الغبار ثم ينقضَّ على الخصوم ويحقق أحلام المسلمين في مشهدٍ لا تتجاوز علاقته بالدولة التركية المعاصرة مساحةَ الأستديو الذي احتضن وأخرج أمثال هذه المشاهد من الدّراما التركيّة والتي أتصوّر بالمناسبة أنّ عدد متابعيها من العرب ربّما يتجاوز عددهم من الأتراك أنفسهم.

 لا شكّ أنّ التعطّش للقيادة الواعية الجامعة طبيعة من طبائع الشّعوب, ولا بدّ أنّ البحث عن مصادر القوة في لحظات الضّعف يكون أكثر إلحاحاً , ولكنّ هذا كلّه لا يغيّر شيئاً من الواقع السّياسي  المرير الذي صاغته عقودٌ من الهيمنة الغربيّة المطلقة وأذرعها الممتدة والعابثة بتفاصيل التفاصيل في منطقتنا, ساذجٌ ذاك الذي يتصوّر أنّ دولةً بالمفهوم المعاصر للدولة سوف تضحّي بأي بند من بنود أمنها القومي في مقابل أي رؤية مهما تسامَت وعظُمَت, فالمخاطرة في مثل هذه اللحظات الحرجة قد تفضي إلى فقدان السيطرة و"فاقد الشيء لا يعطيه" فأن تريق دلو الماء الوحيد لديك لإخماد النار في بيت جارك "مثاليّة"  وأن تحاول صادقاً إطفاء النيران بوسائل أقل فاعليّة حفاظاً على دلوك الوحيد لأنك تعلم أن متربّصاً لا بدّ سيضرم النار في بيتك عاجلاً أم آجلاً " واقعيّة " وبين المثالية والواقعية فضائل وأخطاءٌ , مَكرُمات وهفوات.....  

على أن كثيراً من أتباع الفريق السّابق بدأ يصحو متأخراً ليجد نفسه فجأةً في صفوف المعسكر الآخر الذي لا يدّخر جهداً في شَيطنة الدّور التركي واتّهام تركيا بتدبير كل هذه الفوضى في محيطها أو استثمارها بشكل رخيص على أحسن تقدير بحيث تلعب تركيا دور السّمسار الذي يتغذى على آلام ومصائب الناس و أنّ تركيا كانت وما زالت من أقوى حلفاء أمريكا في المنطقة وما محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز إلا مشهد هوليووديّ هدفه تثبيت أركان " النظام الحاكم" في تركيا وتجهيزه لدَور شيطاني أكبر مما سبق ......الخ

  وفي الختام فالحصافة تقتضي منا نحن العرب أن ننظر إلى الدّور التركي بواقعية تتناسب مع دولة ذات مبادئ ومصالح في آنٍ واحد فلا نكون بهذا الصّدد ملكيّين أكثر من الملك أو ناعقين بتهمٍ ظاهرة البطلان, ويتبع ذلك وينتج عنه تثمين المواقف المبدئيّة واتّخاذها نموذجاً يستحقّ كل التقدير , والنّقد الموضوعي فيما اختلفت الآراء فيه, وأفضل من هذا وذاك العملُ على إيجاد شريك عربي يمكن أن تثق به تركيا وتراهن عليه في المُلمّات للعمل معاً على خدمة قضايا الأمة وهنا بالذات ننتقل من الدراما التّركيّة إلى الخيال العلمي ... !!!

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس