عبد القادر سلفي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

تشابكت مسألة المصالحة الوطنيّة في تركيا مع الأحداث الدّائرة في بلدة كوباني السّوريّة. وأصبح كلٌّ منهما يؤثّر على الآخر بشكل مباشر وملحوظ.

لنبدأ الحديث من أزمة بلدة كوباني السّوريّة:

من المتوقّع خلال نهاية هذا الأسبوع أن يدخل مئتا جندي من البشمركة إلى هذه البلدة عبر الأراضي التّركيّة. والسؤال المهم هنا يدور حول كيفيّة عملية الدخول هذه.

على اعتبار أنّهم ذاهبون للحرب، فمن الطّبيعي أن يصطحبوا معهم أسلحتهم الثقيلة. ولا أقصد بالأسلحة الثقيلة هنا الدّبابات والمدرّعات، إنّ ما أقصده بالاسلحة الثقيلة هو الذخيرة والرشّاشات وقذائف الهاون.

أمّا بالنسبة للطّريق الذي ستستخدمه قوات البشمركة، فقد تمّ تحديد ممر معين لهم ولن يسمح باستخدام غير هذا الممر لهذه القوّات التي ستعبر الأراضي التركية للدخول إلى بلدة كوباني. كما أنّ احتمال استخدام هذه القوات للممرات الجوية التركية قائم. وهذا الاحتمال قيد الدّراسة حاليّا. بحيث يمكن لهذه القوات أن تنتقل عبر طائرة من أربيل إلى مطار مدينة "شانلي أورفا" ومن هناك يتمّ نقلهم إلى بلدة كوباني. وخلال تواجد قوّات البشمركة على الأراضي التّركية، سيكونون تحت إشراف ومراقبة فريق من القوات التركية المسلحة.

وبذلك تكون تركيا قد قضت على ادّعاءات بعض الأطراف التي اتّهمت تركيا بالامتناع عن دعم بلدة كوباني. وأودّ ان أذكر هنا أن هذه الخطة تمّ إعدادها مسبقا، لكن بعض الإجراءات الروتينية للدّولة كانت سببا في تأخّر تنفيذها.

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ترتيب قوى المنطقة من جديد. لكن هذه المرّة على حساب تخوّفاتها من تنظيم داعش. وكانت الإدارة الأمريكية قد أعادت مسبقا صياغة معادلات هذه المنطقة بعد أن انتشر فيها خطر تنظيم القاعدة.

فالولايات المتحدة الأمريكية حاولت أن تفتح الجبهة التركية أثناء حربها على العراق. والآن يحاولون إقحام القوات التركية في الحملة البريّة على سوريا في حال حدوثها.

انتهت المباحثات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة بشان الأوضاع الراهنة في سوريا والعراق. وأودّ هنا أن أتطرّق هنا إلى خلفيّات هذه المباحثات من خلال المعلومات التي حصلت عليها.

1 – تم الاتفاق بشكل نهائي على مسألة تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة.

2 – لم يتم التوصّل إلى اتّفاق بين الطّرفين بخصوص استخدام قوات التحالف للمطارات العسكرية التركية. فالولايات المتحدة ترغب في استخدام قاعدتي إنجيرليك وإرهاج للأغراض العسكرية، بينما تتمسّك تركيا بموقفها الثابت في هذا الخصوص. حيث لم تسمح السّلطات التركية باستخدام هذه القواعد إلّا للأغراض اللوجستيّة والإنسانية.

3 – ظلّت تركيا متمسّكة بموقفها الرافض للتّدخل البري في سوريا مقابل الإصرار الأمريكي في هذا الخصوص. حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تصرّ منذ البداية على دخول القوات التركية بريا إلى سوريا. وبسبب الثّبات التركي على موقفها، لم يتم مناقشة هذه القضيّة في طاولة المحادثات بين الطّرفين.

4 – منطقة حظر الطّيران: الولايات المتحدة الأمريكية وجدت في هذا الطّلب التركي نوعا من الغرابة. لذلك لم تتحمّس لهذا العرض خلال المباحثات.

5 – المناطق الآمنة: أكّد الوفد الامريكي أن هذا الطّلب معقول ويمكن التفاوض بشأنه. إلا أن الوفد أفصح بأن مثل هذا الطّرح لا يندرج في قائمة أولويّات الأمريكيّين.

في ضوء هذه النّتائج يبدو أنّ الصراع مع تنظيم الدّولة الإسلامية سيطول أكثر من المتوقّع. وإذا ما تعاظمت قوة تنظيم الدولة في العراق والتفّ إلى سوريا مرّةً أخرى، فإنّ من المتوقّع حينها أن ينزح أكثر من 500 ألف لاجئ إلى الأراضي التركية. عندها لا أدري ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتراجع عن قراراتها بخصوص المناطق الآمنة ومناطق حظر الطّيران.

لنأتي الأن إلى مسألة المصالحة الوطنيّة:

يقوم رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو منذ يومين بعقد اجتماعات مع نوّاب منطقتي إيجة والقسم الداخلي للأناضول.

أوّلا أودّ أن اتطرّق إلى ما قاله نوّاب حزب العدالة والتنمية عن رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو.

"لقد قام رئيس الوزراء باستثمار هويّته الأكاديمية بشكل إيجابي. واستطاع أن يعكس ذلك على مسيرته السياسية بنجاح. وقد أبدى أعضاء هيئة الحكماء نفس الرأي حول داوود أوغلو. حيث أكدوا بأنّه كان يستمع بكل صبر لمقترحاتهم وطلباتهم. وأنّه قام بالتدقيق المفصّل لما حققوه خلال الفترة السابقة. وقام بشرح الخطوات اللاحقة فيما يخصّ مسألة المصالحة الوطنية. وكان يسند كل ما يقوله إلى خلفية معيّنة.

فمثلا عندما يطرح عليه سؤال حول عملية المصالحة، يقوم بسرد تفاصيل الأحداث الراهنة ويقترح الحلول المناسبة. ويعطي الأمثلة والحلول التي كانت تتّبعها الدولة العثمانية لحل مثل هذه المشاكل".

لنلقي الآن نظرة على ما قاله داوود أوغلو عن كوباني وتنظيم (PYD):

"إنّ تنظيم ( PYD) هو إمتداد لتنظيم (PKK) وهو تنظيم إرهابي. نحن متعاطفون مع الأكراد الذين يعيشون في بلدة كوباني. ونتمنّى أن يعيشوا بأمان. ونحن نفعل ما بوسعنا لتحقيق ذلك. لأنّ هؤلاء تربطهم صلة القرابة مع المواطنين الأكراد في تركيا. لا يمكننا تحقيق وحدة الوطن عن طريق السلاح والقوة".

ذكر داوود أوغلو في أحد خطاباته، أنّ الدّولة تمتلك يدين، يداً حنونة وأُخرى حديديّة. ففي هذا الصّدد قال داوود أوغلو: "إن الذين يثيرون الشّغب في الشّوارع لا بد أن يتعرضوا للمحاسبات القانونية. لقد كنت من أشدّ المعارضين لتدخّل الجيش لفضّ المظاهرات. لكنّني رأيت أن أجهزة الشّرطة غير كافية لفضّ المظاهرات التّخريبية التي حدثت مؤخّرا في البلاد. لذلك قمت بالاتّصال برئيس الأركان وطلبت منه أن يأمر الجيش بالنزول إلى الشوارع لبسط الأمن في المناطق المشتعلة. كما أنّني طلبت منه عدم السّماح لقوات الجيش باستخدام الرصاص".

وفي مستهل هذا الحديث، تطرّق داوود أوغلو إلى نقطة مهمّة جدا. حيث قال "علينا أن نعمل على إصلاح الحالة النفسيّة للمجتمع. فإن لم ننجح في هذه الخطوة، فإن البلاد ستسير إلى الانقسام. لكننا سننجح بهذه المهمّة وسنقود عمليّة المصالحة الوطنيّة إلى النجاح".

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس