مصطفى القاسم - خاص ترك برس

اليوم وبعد مضي خمس سنوات على انطلاقة الثورة السورية، وبعد وصول الحالة السورية إلى ما وصلت إليه، بدءًا بحالتها السلمية، وانتقالًا إلى حالة حمل السلاح داخليا دفاعا عن النفس بمواجهة بطش النظام وحلوله الأمنية والعسكرية، ووصولًا إلى حالة التدخلات الخارجية للميليشيات الداعمة للنظام وللأفراد المهاجرين للجهاد، وانتهاءً بحالات التدخل وعدم التدخل الدولية المعلنة والخفية...

اليوم وبعد أن عايشنا كسوريين تعامل المجتمع الدولي ولا سيما المنظمات الدولية مع الحالة السورية ومع ارتكابات النظام الأسدي والقوى والميليشيات الداعمة له، بحق الشعب السوري، ورأينا بأم أعيننا تدمير البشر والحجر باستخدام كل الوسائل المتوفرة من سلاح وذخائر محرمة دوليا كيماوية وعنقودية وارتجاجية وحارقة... ومن حصار وتجويع وخوف ومنع للغذاء والدواء والماء مترافق مع القصف الجوي والأرضي... ومن تدمير لمدن كاملة وتهجير قسري لسكانها ومحاولات تغيير الوجه الديمغرافي للبلاد... ومن مساهمة فعلية في صناعة الإرهاب للقضاء على المدنيين بحجة مقاومة الإرهاب...

اليوم وبعد أن رأينا تجاهل المجتمع الدولي عبر مؤسساته ومنظماته الدولية لجميع حقوق الشعب السوري في الحياة والحرية والأمن والبقاء، وتجاهل هذا المجتمع للقوانين الدولية، وبالتالي تغطيته للمجازر والجرائم التي ارتكبت والتي يعلم الجميع أنها تشكل جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وفقا للأحكام الناظمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكوليها ونظام روما لمحكمة الجنايات الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية...

اليوم ونحن نرى القضية السورية قد تحوّلت إلى منازعة دولية لتكريس نفوذ هذه الدولة أو تلك من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ذلك المجلس الذي أثبت من خلال ممارساته ومواقفه ان عمله الوحيد منحصر في تكريس قوى ونفوذ الدول التي يمثلها بصرف النظر عن سيول دماء شعوب الأرض وآلامهم ومعاناتهم، ذلك المجلس الذي يتعامل مع شعوب الأرض على أنهم غنائم لانتصارات أعضائه في الحرب العالمية الثانية، وأن القوانين الدولية هي سلاح إضافي بيد أعضاء المجلس مجتمعة أو منفردة لتمكينها من التحكم والسيطرة، وهو قابل للتكييف والتشكّل والتموضع وفقا لمصالحها، وبالتالي فإن أيًا من هذه الدول الخمسة دائمة العضوية تملك الحق في منع كل ما لا يتوافق مع مصالحها بل وأطماعها ومنح نفسها كل ما تراه حقا لها، وبما ان حدود حقوق هذه الدول مرتبط بمصالحها تلك المصالح التي لا حدود لها، وهي ترى ذلك جزءًا من (إعادة صياغة العالم بعد الحرب العالمية الثانية)، وأن الفيتو (حق ليس لأحد أن يحدّ منه أو أن يحدد متى وكيف وأين ولماذا يستخدمه هذا الطرف أو ذاك)، والأخطر أنها ترى ان الأخلاق والحقوق هي ما (يراه قادة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مجتمعين أو منفردين أخلاقا وحقوقا)... وبما أن تجربة الأمم قد أثبتت أن هذه الدول إنما تنظر من خلال ثقوب مصالحها وعينها عميّة عمّا لا يخدم هذه المصالح، بل هي مستعدة لترويض تلك الأمم وتكييفها للمرور في ثقوب المصالح تلك ولو أدّى ذلك لعصر دماء تلك الأمم وإزهاق أرواحها وفنائها، وبما أن تجارب أوربة الشرقية والشيشان وأفغانستان والعراق وسورية وآخرها تجربة حلب القائمة أمامنا اليوم هي خير شاهد على ذلك...

لذلك وحتى تبدّل هذه الحال، ولا مؤشرات على ذلك في الأفق المنظور، سوف ترتبط في مخيلتنا صورة القوانين الدولية وحقوق الإنسان والمحاكم الدولية والعدالة بصور الأساطير الأخرى.

عن الكاتب

مصطفى القاسم

محامي وكاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس