فخر الدين ألتون - صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

عشنا مساء يوم الاثنين حادثة أليمة، ناتجة عما وصلت إليه السياسة العالمية، حيث قتل أحد عناصر جماعة غولن، السفير الروسي لدى أنقرة اندريه كارلوف. والجماعة التي تقف خلف هذه العملية معروفة، والهتافات هي مجرد تمويه. كما أنّ سيناريو العملية معروف: الترويج بأنّ "تركيا دولة إسلامية متشددة" انتقمت لما قامت به روسيا في حلب من خلال قتل سفير مُسالم على ارضها.

ونشر عناصر غولن بعد العملية مباشرة، تغريدات باللغة الإنجليزية تُفيد بأنّ مُنفذ الهجوم دخل إلى المعرض من خلال بطاقة تعريفية مزيفة، وأنه هتف بهتافات "إسلامية متطرفة"، وهو ينتمي "للنصرة"، وأحد "الإسلاميين المتشددين". وأكثر من دعم هذه الرسائل هو حزب العمال الكردستاني.

كما أنّ مجموعة دوغان الإعلامية، ولمرة أخرى، ذهبت سريعا لدعم توجه بأنّ مُنفذ الهجوم هو "تركي إسلامي متطرف"، برغم أنّ الملابسات ساعة الحادثة لم تكن واضحة بعد. وكذلك نشر موقع صحيفة "حرييت"، وقناة CNN التركية بأنّ منفذ الهجوم "على صلة بجبهة النصرة". وركزت صحيفة حرييت على "إهمال الحكومة وضعفها"، والتقط الغرب هذه الرسالة وبدأ بنشرها، ونشروا بأنّ عملية الاغتيال جاءت بسبب غضب الرأي العام التركي على ما يجري في حلب.

دعونا الآن نتحدث عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الدعاية، في البداية كل صاحب عقل يُدرك بأنّ هدف عملية الاغتيال هذه هو ضرب العلاقات الروسية التركية وإخراجها عن مسارها، ونستدل من ذلك بحادثة إسقاط الطائرة الروسية قبل عام، وكيف أدت إلى أزمة كبيرة في العلاقات الروسية التركية، ونجح من قام بإسقاط الطائرة بتحقيق هدفه يومها، خصوصا في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات ثنائية روسية تركية حول الوضع في سوريا، الأمر الذي يُزعج الغرب كثيرا.

لم يكن هدف هذه العملية ضرب العلاقات التركية الروسية فحسب، وإنما هناك هدفان آخران سعت الجماعة التي تقف خلف العملية لتحقيقه؛ أولها الترويج بأنّ تركيا دولة داعمة للارهاب، من خلال القول بأنّ تركيا اليوم أصبحت تدعم جبهة النصرة، بعدما كانت في السابق تدعم داعش، والهدف هنا هو إعادة عزلة تركيا وزيادة العداء تجاهها. والأمر الآخر يتعلق بالعلاقات الروسية الأمريكية، لأنّ هناك حتى الآن طرف في نظام الحُكم الأمريكي يسعى للانتقام ومُحاسبة روسيا.

لكن أردوغان استطاع إدارة هذا الملف بحنكة كبيرة، وكذلك تصرفت روسيا ببرودة أعصاب، لأنهما يدركان الهدف وراء هذه العملية، وتجنبوا الوقوع في فخ حادثة إسقاط الطائرة الروسية. واستمرت العلاقات الروسية التركية في وضع جيد.

علينا أنْ نُدرك بأنّ مشهد السياسة العالمية معقد للغاية، والأهم في هذه المرحلة أنْ تستمر تركيا بدورها حسب مصالحها وبصورة مستقلة، وهذا أهم ما نملكه اليوم، وعلينا التمسك به.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس