ميدل إيست بريفينح - ترجمة وتحرير ترك برس

بدأت الخلافات بين الروس والأتراك والإيرانيين في سوريا تطفو على السطح تدريحيا، وتكتسب وزنا أكبر، فقد حذر نوقع تابناك الإيراني وثيق الصلة بالنهج الرسمي الإيراني قراءه في الرابع من يناير/ كانون الثاني من أن روسيا تنحاز بشكل متزايد إلى جانب تركيا في سوريا.

يُعرف القائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي الذي يدير هذا الموقع بموقفه المتشدد في سوريا، وقال الموقع إن على الإيرانيين أن لا يكونوا متفائلين بشأن سوريا، حيث إن بوتين يميل تدريجيا نحو تحقيق أهداف أنقرة هناك، وتساءل الموقع هل يمكننا أن نعد دخول تركيا في محاولات إنهاء الحرب تهديدا؟ أو أنه ينبغي لإيران أن تستخدم الدور التركي لإيجاد فرص جديدة لتحقيق أهدافنا في سوريا؟

بطرحه للقضية بهذا الأسلوب وضع موقع تاناب الخيارات التي تواجه طهران في سوريا بشكل واضح. رضائي الذي يشغل الآن منصب رئيس تشخيص مصلحة النظام قال عبر موقع تاناب إن روسيا استبعدت إيران من المحادثات التي أدت إلى وقف إطلاق النار، وإن القوات الجوية الروسية بدأت تساعد القوات التركية في عملية درع الفرات في قتال داعش. وقال الموقع "كان من الصعب أن نتخيل قبل بضعة أشهر رؤية طائرات سوخوي 24 الروسية وهي تمهد الطريق للقوات الموالية لتركيا لتحقيق تقدم في شمال سوريا، وقريبا ستحقق تركيا أهدافها في تلك المنطقة".

ليست إيران البلد الوحيد الذي يشعر بالقلق، فهناك مخاوف متزايدة في حلف شمال الأطلسي من التقارب الروسي التركي.

للتعاون الناشئ بين أنقرة وموسكو ثلاث سمات مهمة: أنه يتطور بطريقة تُظهر للأتراك أن موسكو تفعل في سبيل الانفتاح على أنقرة أكثر مما يمكن أن يحققه الأتراك من التعاون مع روسيا، وعلاوة على ذلك فإن هذا التعاون يضع تركيا تحت الضغط بحيث يمكن أن يقلل من مساحة تفاوضها مع لاعبين آخرين. السمة الثانية أن هذا التعاون قد يشجع المزيد من المسؤولين الإيرانيين على اكتشاف السبل المؤدية إلى الغرب من أجل الضغط على موسكو، من الناحية الكلامية على الأقل. أما السمة الثالثة فهي أن هذا التعاون قد يكون له تأثير سلبي على الوضع داخل سوريا.

تعتقد روسيا أنها بتعزيزها للعلاقات مع تركيا تضعف الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، وقد ألمح وزير الدفاع التركي فكري إيشيك إلى أن أنقرة قد تنظر في إغلاق فاعدة إنجرليك. ويرجع السبب في النقاش الدائر في تركيا حول مستقبل إنجرليك إلى أن أنقرة لم تعد ترى أهمية للبعثة الجوية الأمريكية في القاعدة بالنسبة لوجودها، ذلك أن الطائرات الروسية توفر الدعم المطلوب للقوات التركية الخاصة.

وفي حين لا توافق موسكو، مثل واشنطون تماما، على خطط الرئيس أردوغان لمهاجمة الميليشيات الكردية، فإنها تعهدت بمنع قيام كيان كردي شبه مستقل على الحدود التركية مع سوريا، وهو ما  لاقى ارتياحا في أنقرة. وعلاوة على ذلك يتحكم الروس وليس الأمريكيون، في مسار الأحداث في شمال سوريا.

لا ينبغي أن يُفهم اتهام أردوغان للولايات المتحدة بمساعدة داعش على أنه تزلف للروس، وما من شك في أن هذا الخطاب يسر موسكو، لكن الروس يتطلعون بجد إلى إضعاف حلف شمال الأطلسي في تركيا، بوصفه واحدا من أهم أهدافهم النهائية في التحالف الكامل مع أردوغان. وعلاوة على ذلك فإن تركيا دولة رئيسة في محاربة تصاعد الإرهاب الإسلامي في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وبوصفها دولة سنية فإنها يمكن أن تساعد روسيا بفعالية في إيقاف تهديد التطرف الديني في المنطقة. كما أن التحالف مع تركيا يعطي روسيا هامشا أكبر من المناورة مع أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان.

من ناحية أخرى، فبينما ستضمن تركيا أمن حدودها الجنوبية مع سوريا من خلال تعاونها مع روسيا، فإن ذلك يعرضها لخطر ازدياد التوتر مع أوروبا الغربية، وخاصة ألمانيا وبريطانيا،لاسيما أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأول لتركيا في الصادرات والواردات، في حين تحتل تركيا المرتبة السابعة كأكبر مستورد من الاتحاد الأوروبي، والخامسة في أسواق التصدير. وتشمل أسواق التصدير الرئيسة لتركيا الاتحاد الأوروبي والعراق وروسيا والولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية وإيران. لكن ثلث صادرات تركيا وربع واردتها تأتي من التجارة مع الأعضاء الرئسيين في حلف شمال الأطلسي، أما روسيا فلا تأتي حتى ضمن قائمة المستوردين العشرة الأوائل من تركيا. وتبيع روسيا لتركيا بضائع بأكثر من 20 مليار دولار، أي أكثر من 11% من إجمالي صادرات روسيا.

وفي المقابل فإن لأعضاء حلف شمال الأطلسي أفضلية واضحة على روسيا في مجال العلاقات الاقتصادية مع أنقرة، لكن لا ينبغي المبالغة في هذا التأثير، فهو سلاح ذو حدين، فمع معدلات النمو المنخفضة في جميع الاقتصاديات الكبرى لن يكون من السهل استخدام هذا التأثير، لكنه إن  استخدم في مجال التعريفة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي على الأقل، فمن الممكن أن يضع ضغوطا على الأتراك.

من الممكن إذن تلخيص الديناميات على النحو التالي : تحصل تركيا على فائدة محدودة من ( سوريا – الأكراد) وتقدم لروسيا اختراقا جيواستراتيجيا مهما، في حين أن الناتو هو الخاسر الأكبر من هذا التقارب التركي الروسي.

وكما هو واضح من وسائل الإعلام الإيرانية فإن هناك شعورا بالقلق في إيران من التقارب الروسي التركي. إن خطة إيران للاحتفاظ بجسر بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى جنوب لبنان وشرق البحر المتوسط  تعني لعبة محصلتها صفر في سوريا، وهذا يعني وضع سوريا تحت سيطرة الأسد، وتطهير جميع الطرق من الأنبار إلى اللاذقية من أي وجود مسلح للسنة.

تنظر روسيا إلى هذه الخطة الإيرانية على أنها مصدر محتمل لتهديد غير مباشر، لأنه إذا واصلت إيران قتل أهل السنة في العراق وسوريا وسيطرت عليهما، فإن هذا سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة الطائفية في المنطقة، ما يؤدي إلى خلق التطرف الديني، وتفاقم متاعب روسيا مع المسلمين داخل حدودها وفي محيطها.

أما بالنسبة إلى تركيا فتعلب أيضا لعبة محصلتها صفر بشكل ما ولكن في الاتجاه المعاكس تماما لإيران، لكن أنقرة كانت على قناعة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في خريف 2015 بالمخاطر الكبيرة على مصالحها الوطنية إذا ما استمرت في السعي من أجل هذه الغاية الصعبة.

لا تنظر موسكو بطبيعة الحال إلى الصراع في سوريا أو إلى الاستراتيجيات المتباينة لأصدقائها في طهران والآن في أنقرة من المنظور المتناقض للعبة محصلتها صفر، لكنها تنظر من زاوية الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب لعمياتها العسكرية في سوريا لصالح أمنها وأجندتها السياسية. اضطرت أنقرة للتخلي عن خططها، والآن جاء الدور على إيران.

سيكون على إيران بالتالي التفكير في طرق للحفاظ على أهدافها، وستسعى إيران منطقيا إلى إرسال بعض الإشارات الودية إلى الغرب للضغط على موسكو، وقد يقع البعض في الغرب، كالعادة، ضحية لعبة الإغواء الإيرانية الجديدة، لكن في النهاية لا يمكن للغرب أن يقدم للإيرانيين ما يرفض الروس أن يقدموه لهم: جسرا بريا إلى شرق البحر المتوسط.

من ناحية أخرى يمكن أن تفكر إيران في التخلي عن طموحاتها التوسعية للتوسع الإقليمي في شرق المتوسط ، في الوقت الراهن على الأقل، وأن تقبل على مضض الخطة الروسية التي تشمل دورا رئيسا للأتراك. لكن قبل أن يحدث ذلك يتجرب إيران جميع الحيل الممكنة لاختبار عزيمة الروس والأتراك.

النتيجة النهائية أن طهران لا يمكنها أن تتحمل عبء ما يفعله الروس في سوريا، فالإيرانيون يعرفون أنه بدون الدور العسكري الروسي في سوريا ستستمر سلسلة الهزائم التي كانت واقعة قبل أن يهرع بوتين للمساعدة. بدأت روسيا انسحابا رمزيا لبعض وحداتها العسكرية لتذكير الجميع بأنها يمكن أن تسحب قواتها في وقت قصير. ومن الواضح أنها لن تقدم على ذلك، لكنها تفعله لإنعاش الذاكرة المطلوب في بعض الأحيان.

يقودنا هذا مباشرة إلى سوريا. اللعبة الإيرانية هي دفع الأسد والميليشيات التابعة لها إلى نسف الاتفاق الروسي التركي، وكما يبدو في وقت كتابة هذا التقرير تكتسب إيران قوة إضافية في هذا الصدد، فلديها الأسد الذي يميل إلى موقفها حيث إنه يخشى أن تضحي به موسكو على مذبح أردوغان وتحت إغراء كسب تركيا وسوريا بحجر واحد .

تقع انتهاكات لوقف إطلاق النار بصورة يومية، وصار اغتيال قادة المعارضة عملا يوميا أيضا، وفي الآونة الأخيرة رفضت مجموعة من ميليشيات حزب الله السماح للجنود الروس بالوصول إلى موقع يسيطرون عليه، وقد اعترف عضو في حزب الله في شريط فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الروس والميليشيات الشيعية تسيطر على جميع سوريا، وأن قوات الأسد لا تملك أي سيطرة على الأرض.

وعلى ذلك ليس من المرجح أن تسرع موسكو بشن معركة إدلب، حيث يسعى الروس إلى البقاء حتى ينتهوا من الجزء الأكبر من مناورتهم الإقليمية، لكن الأسد وإيران وحزب الله قد يحاولون شن هجوم على أخر ما تبقى من معاقل في يد المعارضة في إدلب.

ويبقى أفضل سيناريو ممكن للإيرانيين الحفاظ على الروس في سوريا، ولكن داخل الحدود الاستراتيجية الإيرانية، بيد أن من يعرفون بوتين جيدا يدركون أن هذا يكاد يكون مستحيلا. وفي النهاية سيضطر الإيرانيون إلى القبول بالصفقة الروسية التركية، ولكن قبل ذلك سيفعلون كل ما يلزم لنسفها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!