د. علي حسين باكير - العرب

أقر نائب رئيس الوزراء التركي محمد شمشمك خلال مشاركته الأسبوع الماضي في أعمال منتدى دافوس العالمي، بأنّه لا يعرف أي شيء أكثر حسماً من الحفاظ على مصداقية البنك المركزي التركي وقدرته على القيام بالخطوات الصحيحة في التوقيت الصحيح.

وفي سؤال له على هامش أعمال المنتدى عمّا إذا كان بإمكانه أن يؤكّد للمستثمرين بأن البنك المركزي لا يخضع لأي ضغوط حكوميّة فيما يتعلق برفع سعر الفائدة، قال شمشك: «لا يوجد أي شيء يمنع المصرف المركزي من التحرّك، قانونياً».

من الواضح أنّ الأمر لا يتعلق بالقانوني بقدر ما يتعلّق بالسياسي، فالجدل القديم- الجديد حول دور البنك المركزي لا يزال قائماً. هناك من يفضّل بأن يقوم المركزي برفع سعر الفائدة إلى جانب استخدام أدوات أخرى لكبح تراجع سعر الليرة التركيّة، لكن الرئاسة التركية كانت قد أوضحت مراراً وتكراراً معارضتها لهذا الخيار على اعتبار أن من شأنه أن يؤدي إلى عملية تباطؤ اقتصادي، لأنّه سيحرم السوق من الاستثمارات اللازمة، وسيدفع المستثمرين إلى تجميد أموالهم بدلاً من ضخها إلى السوق، وهو ما قد يؤدي في المحصّلة إلى صدمة اقتصادية تفوق سلبياتها النتائج المحتملة لانخفاض سعر الليرة التركية.

يعتمد الاقتصاد التركي في جزء كبير منه على صادرات السلع إلى الأسواق الخارجية، ويحتاج مثل هذا الاقتصاد إلى حالة مستدامة من الاستقرار الداخلي والإقليمي حتى يحافظ على ازدهاره، وهي عناصر ليست متوافرة في الآونة الأخيرة، حيث تؤثّر حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني إلى جانب الفوضى الإقليمية وتقلّص عدد الأسواق الخارجية بشكل سلبي على الأداء الاقتصادي التركي وعلى ثقة المستثمرين.

ورغم التحديات الضخمة التي شهدها الاقتصاد التركي لاسيما بعد العملية الانقلابية مؤخراً، فهو لا يزال صامداً ولاتزال الحكومة تبحث عن حلول للتحديات الجديدة التي يواجهها، ولأنّ الاقتصاد والمنجزات الاقتصادية السابقة هي أثمن ما يملكه حزب العدالة والتنمية في سجل حكمه، ولأنّ لهذا العنصر الفضل الأكبر دوماً في إبقاء الحزب في السلطة، فمن الصعب بمكان أن نتصوّر تفريط الحزب الحاكم به، لكنّ التراجع السريع لسعر صرف الليرة مؤخراً يصعّب من مهمة الحكومة التركية ويزيد من الضغوط على الاقتصاد المحلي.

لقد فقدت الليرة التركية حوالي %10 من قيمتها في النصف الأول من شهر يناير من العام الحالي في أسوأ أداء لها على الإطلاق مقارنة بعملات الأسواق الصاعدة الأخرى. صحيح أنّ جزءاً من هذا التراجع يرتبط بعوامل لها علاقة بالدولار نفسه أثرت على سعر العملة في عدد غير قليل من الدول من بينها تركيا، لكنّ سعر صرف الليرة كان قد تراجع أيضا أمام اليورو. لقد شهدت مناشدات الرئيس أردوغان للمواطنين والشركات التركية بالتخلي عن الدولار لصالح الليرة نجاحاً ظرفياً إلى حدّ ما، لكنّها لم توقف تراجع سعر صرف العملة بشكل تام، بسبب دخول المضاربين على الخط لتحقيق أرباح كبيرة.

مجمل القول أنّ الأسباب الداخلية والخارجية التي أثرت سلبا على أداء الاقتصاد التركي وسعر صرف العملة المحليّة ستستمر على الأرجح في حدّها الأدنى حتى الاستفتاء القادم في شهر أبريل المقبل، في الوقت الذي ستستمر فيه السلطات التركية بالبحث عن حلول تمكّنها من الصمود خلال هذه المرحلة وتجاوز هذه التحديات في المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس