علي نور كوتلو – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

يمر العالم الإسلامي بمختلف مناطقه باختبار صعب، فلا يوجد اليوم أي دولة إسلامية لا تعيش حالة من الاضطراب، ولا تعيش حالة من الألم، أو لا يوجد فيها حرب، أو أنها لا ترى القتل أمامها بصورة يومية، ولا يوجد دولة لا تتعرض لابتلاء صعب.

نشعر بحزن شديد تجاه ذلك، نتألم لقدرنا الحالي، نتساءل عن سبب ما أوصلنا إلى هذه الحالة، فاليوم نرى الأطفال والأبناء والأمهات والآباء والأخوة والأصدقاء يتناثرون بين القبور، فالموت أصبح كل يوم يخطف أحد أحبتنا وأخوتنا.

نعيش في مرحلة صعبة، لأنها مرحلة مفصلية لن يكون ما بعدها كما كان ما قبلها، فالعالم الإسلامي اليوم، وبدوله المختلفة، والأمة المحمدية جمعاء تمر باختبار صعب للغاية.

بعد أنْ نمر من هذا الاختبار، سنعيش أيام نتائجه، فمن نجح فيه لن يكون وضعه كمن رسب فيه بكل تأكيد، واعتقد أنّ أصعب أيام ندفع فيها ثمن هذا الامتحان هي الأيام الحالية، التي يقتل فيها كل يوم أعدادا كبيرة من المسلمين.

دم المسلم على المسلم حرام، لكن إذا ما نظرتم إلى ما حولكم، سترون شلالات من دماء المسلمين تسيل، والمصيبة أن سبب إراقتها هم مسلمون آخرون، أو هكذا يعتبرون أنفسهم على الأقل.

اليوم، نحن أنفسنا نذبح ونخنق أراضينا كلها، من اليمن وحتى المغرب، فبخلاف المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كل النزاعات في الدول الإسلامية هي بين المسلمين أنفسهم، فلا حاجة لأنْ يكون هناك عدوّ، فالمسلم أصبح يقتل أخيه المسلم.

أكثر شيء يجب أنْ يثير غضبنا، ويثير استغرابنا وحزننا وقهرنا، هو أنّ المسلم أصبح متحمسا لقتل مسلم آخر. ما سرّ هذا الحماس وهذه الشهية والرغبة لقتل المسلمين؟ فبدلا من أنْ ينزعج جدا لقتل مسلم آخر، تراه متحمسا وفرحا جدا لقتله، فكيف لمثل هذا أنْ يكون مسلما؟ من علّمه ذلك؟

أعتقد أنكم وأنتم تقرؤون هذه السطور، تتذكرون ما تقوم به داعش من ذبح للناس، وقطع للأعناق، وما يقوم به الأسد من قصف بالبراميل المتفجرة، والحرب القائمة بين الحوثيين والقاعدة في اليمن، لكنني أقول هذا الكلام موجه لك، نعم لك أنت.

طبيعة الإنسان لا ينظر إلى أفعاله، بل يبقى منشغلا بالآخرين، بينما هو أصلا يمر الآن بفتنة وباختبار صعب. فلينظروا إلى ما حولهم، ليروا ويستشعروا حجم الابتلاء الذي تمر به الأمة الإسلامية جمعاء، ولاحظوا كيف أنّ جميع الأطراف لا تنظر إلى الأخطاء التي تقوم بها وغير مستعدة لمراجعة فكرها أو أسلوبها، لأنها ترى فيه الصواب وما دونه باطل.

لهذا نرى المآسي التي نشاهدها اليوم في العالم الإسلامي، فكل حزب أصبح ضد الحزب الآخر، وكل طائفة ضد الطائفة الأخرى، وكل فئة ضد كل الفئات الأخرى، يقتتلون ويتحاربون ويسفكون دماء بعض، هذا ابتلاء شديد، فمَن لم يحمل السلاح في وجه أخيه، حمل قلمه وبدأ بالكتابة والطعن في ظهره وفي فكره وأسلوبه.

ألا تلاحظون ما يجري في بيئة عملكم؟ في الأزقة والشوارع وفي البنايات وفي المنازل، ألا تلاحظون كيف أصبحت الغيبة والنميمة كشيء روتيني، يطعن خلالها الصغير والكبير بالمسلمين وباعتقاداتهم وفكرهم؟ ألا ترون كيف أصبح هذا الأمر أسهل من شرب الماء عند بعض الناس؟ هذه مصيبة.

لماذا تنظر إلى مَن حولك؟ أنا أتحدّث عنك، نعم عنك أنت، لأنّ كل من يقرأ هذه السطور الآن هو يتعرض لابتلاء شديد، سواء أكان من دفع ثمنا لذلك من إخوتنا السوريين والعراقيين والمصريين واليمنيين، أو مَن لم يدفع الثمن حتى الآن، أخاطبك أنت، احذر فالدور قادم إليك.

نعم، أتحدث عن الابتلاء الذي وقعت فيه أنت، فهذا اختبار لكل شخص في الأمة، انظر إلى نفسك، والى ما تقترفه أنت من كلام جارح، وكتابات تحريضية، ثم انظر إلى ما تفعله داعش والأسد والحوثيون والقاعدة لتعرف أنّك ربما تكون من أسباب تلك الأحداث.

حاسب نفسك، قف معها وفكر مليّا، لأنّك أنت جزء من هذه الأمة،. اسأل نفسك، لماذا تمزقت هذه الأمة، لماذا اغتصبت أنت حقوق أخوتك أو صديقك أو أخيك المسلم، لماذا افتريت عليه واغتبته؟ فلو أنّ كل شخص حاسب نفسه وكلامه وأسلوبه وردة فعله، لوصلنا إلى حل لمشاكلنا ونزاعاتنا وخلافاتنا.

تذكّر أنّ وحدة الأمة تمر عبر إيمانك وعبر تصرفاتك وأسلوبك، تذكّر أنّ ما يجري اليوم هو ابتلاءٌ لك وليس لغيرك.

عن الكاتب

علي نور كوتلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس