ياسر النجار - خاص ترك برس

سعت إيران في فترة إدارة أوباما إلى فرض هيمنتها على مستوى السياسة الخارجية في الإقليم ووصل بها المطاف إلى التصريح عن مشروعها في منطقة الشرق الأوسط بعد ان كانت تقوم على التلميح فكان الحديث عن عواصم عربية تحت النفوذ الإيراني.

وبدأت تظهر حالة التناغم بين أمريكا وإيران في المنطقة عند الوصول إلى الاتفاق النووي  بينها وبين ما يعرف بدول ( الخمسة + واحد ).

ولا احد ينكر فضل الدور الروسي في إنجاز هذا الاتفاق , روسيا التي كانت ترى في الورقة الإيرانية الورقة الأخيرة للنفوذ السياسي لها أمام الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك اوربا.

وبعد الوصول إلى الاتفاق النووي كان الحديث حول بنود سرية لم تظهر على العلن بخصوص إطلاق العنان لإيران في منطقة الشرق الأوسط على حساب دول عربية ارتبطت بمصالح إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتم إبراز إيران كدولة إقليمية الأكثر اهمية وإفساح المجال  لفرض نفوذها في الإقليم  دون الحاجة لوجود تباشير للسلاح النووي الإيراني الذي كانت تلمح بقدومه من خلال برنامجها كذلك سعت إيران خلال نفس الوقت في العمل على تطوير السلاح الصاروخي متوسط المدى وطويل المدى القادر على حمل رؤوس نووية.

مقابل كل ذلك كان الكلام حول إفراج  الولايات المتحدة الأمريكية عن 150 مليار دولار يفترض ان يكون عاملا منقذا للاقتصاد الإيراني الذي كان يعاني الصعوبات الكبيرة نتيجة دعمه للتنظيمات والمليشيات الطائفية في المنطقة وعلى رأسها حزب الله  بحيث شكل كل هذا الدعم عبئا على الاقتصاد الإيراني خصوصا في وقت حرب اسعار النفط الذي جعل اقتصادها في مرحلة حرجة يمكن ان ينهار في أي لحظة.

وكانت صفقة الإفراج عن مليارات الدولارات ايضا صفقة رابحة لأوربا التي كانت تعول على العقود التي ستبرم معها بعد رفع العقوبات وبدأنا نسمع عن صفقات منها صفقة شراء طائرات للخطوط الإيرانية وغيرها من مشاريع تتعلق بالبنى التحتية ولكن في نهاية المطاف كان الثقل الحقيقي لهذه الصفقات باتجاه الشرق الصين وروسيا على وجه الخصوص.

وعبرت دول الخليج عن تخوفاتها من الدور الصاعد لإيران في المنطقة  المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ولم تجدي التطمينات والتبريرات التي قدمتها إدارة اوباما وعلى وجه الخصوص للمملكة العربية السعودية التي بدأت تشعر بالخطر خصوصا بعد فضح دور حزب الله وإيران في دعم المليشيات الطائفية في اليمن وتوريد السلاح لها.

وتأتي إدارة ترمب على رأس قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتبدأ حالة التنافر منذ بداية الحملة الانتخابية لترمب وصولا لتجلي الموقف بعد أقل من شهر من دخول ترمب الى البيت الأبيض حيث كانت تصريحاته واضحة عندما اعلن بأنه " ليس أوباما وأن إيران تلعب بالنار ".

القشة التي أظهرت حالة العدائية في منحى الأكثر خطرا هو تجربة إيران لصاروخ متوسط المدى قادر على حمل رأس نووي الأمر الذي لم توفره إدارة ترمب وبدأت حالة التصعيد عليها من خلال دعوة لانعقاد مجلس الأمن حول تجاوز إيران في تجربتها الصاروخية لبنود الاتفاق النووي.

تكذب إيران عندما تعبر انها لا تخاف من إنهاء الاتفاق النووي ونراها تطرح ان الاتفاق لا يعني امريكا فقط فهناك خمسة دول شريكة في هذا الاتفاق ايضا.

سنشهد في القادم من الأيام عقوبات متكررة تفرض على اشخاص ومؤسسات إيرانية وسيكون هناك حالة امتصاص إيرانية في حين ان الخطاب الإعلامي سيشهد نوعا من التصعيد وسيساهم ذلك في زيادة التوتر ولكن ستحرص إيران على الاحتفاظ ببعض المكاسب التي حققتها في عهد إدارة أوباما ولن يكون امام إيران بد إلا العودة والاستعانة بالشريك القديم وهو روسيا وستحاول الضغط من خلال الاتفاقيات الموقعة مع دول الإتحاد الأوربي والتي لم تكن ممنونة بشكل كبير بسبب حجم الصفقات الاكبر المبرمة مع الصين وروسيا.

ستحاول إيران في القادم من الأيام ان تمتص الضغوطات التي ستطبق عليها من امريكا عبر الاتجاه إلى فتح علاقات مع الدول العربية وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي عبر تجاوز الخلافات معها و شعورها انها تشكل ضاغطا كبيرا في اتجاه دعم السياسة الامريكية للتصعيد مع إيران.

كذلك ستسعى روسيا إلى خلق دور أكبر لإيران في خريطة الحل السياسي في سوريا وتجعل منها طرف اساسي في أي عملية سياسية يتم التحضير لها في سوريا عبر خلق مسار تفاوضي جديد في الآستانة او حتى جنيف.

يفترض أن طهران ستدخل في حالة كمون في بداية المطاف ولكن في حال احسنت الدول العربية وتركيا استغلال الوقائع سينحسر دور إيران السلبي في المنطقة وتعود إلى الواقع المفترض الذي ينبغي ان تكون عليه كما كان مع بداية التسعينيات حيث يفترض ان ينحسر مشروع تصدير الثورة لديها وأن يتم التركيز على بناء اقتصادها وكذلك البنى التحتية والانشغال بشؤونها الداخلية.

 وحتى نضمن هذا التغيير إلى انحسار بجب على الدول العربية وتركيا العمل على أكثر من مسار منها :

- الاستفادة من حالة التجاذب في المصالح بين إيران وروسيا وخصوصا في الملف السوري بحيث تضمن روسيا الحفاظ على امتيازات لها في سوريا بدون أن يكون لإيران دورا في ذلك.

- شهد التعاون الروسي مع دول الاوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الحفاظ على ثبات اسعار النفط وهي خطوة تحتاجها روسيا للتعويض عن فاتورة الحرب التي دفعتها في سوريا.

- إبرام صفقات تعويضية للدول الأوربية التي استفادت من رفع الحظر عن إيران والبحث عن بدائل لتعزيز العلاقة الاقتصادية مع الدول العربية.

- دعم الموقف الأمريكي في التراجع عن الامتيازات التي منحتها إدارة اوباما لإيران في العراق وإلغاء اية بنود لامتيازات سرية منحت لطهران في المنطقة من خلال الاتفاق النووي.

- دعم توجه ترمب في إلغاء الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع إيران او على الاقل تجميده نتيجة لتجاوزات إيران لبنوده وسياسة التصعيد العسكري لها من خلال تجاربها الصاروخية والحرص في العودة إلى حالة الحصار ومراقبة أي برنامج عسكري تقوم إيران على تطويره.

- اعادة طرح إيران كدولة راعية للإرهاب سيكون التوجه الأهم بالنسبة لدول المنطقة وإفشال مخطط روسيا في طرح شراكة امريكية مع إيران في ملف مكافحة الإرهاب.

وفي حال انحسار الدور الإيراني  ستشهد المنطقة حالة هدوء واستقرار وسيتم تفكيك حالات التوتر التي زرعتها إيران في أكثر من دولة في المنطقة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس