د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

مدينة الباب تحررت بعد ستة أشهر من بدء عملية درع الفرات، وبعد أن فقد الجيش التركي أكثر من سبعين من عساكره، وفقد الجيش السوري الحر عشرة أضعاف هذا الرقم تقريبا من عناصره.

هذا النجاح بعد هذه الفترة الزمنية، وهذه الضريبة البشرية، والدمار الذي لحق بالمدينة، كان محل اختلاف تقييم بين المحللين والمتابعين، فمنهم من رآه نجاحًا باهرًا يضاف لخانة تركيا والجيش الحر في دحر تنظيم إرهابي يملك السلاح والعتاد، ويلقى الدعم المباشر وغير المباشر حتى من دول تدعي محاربته. وهناك من رأى هذا النجاح باهظًا وبطيئًا، فباستثناء مدينة الباب التي تحصن بها التنظيم، فإن الطريق لها وبقية المناطق الأخرى لم يكن تحريرها صعبًا أمام قوات من أبناء المنطقة مدعومين من قبل جيش رسمي وتغطية جوية.

وتأخر الدرع حتى كاد النظام يدخل الباب قبله، ولم يسبقه بتحرير الريف الشرقي للباب لمنع قوات النظام من الالتفاف حول مناطق سيطرة قوى الحماية الكردية.

لم تكن مدينة الباب لتحظى بهذا الاهتمام الدولي والإعلامي والاستراتيجي، لولا أنها أخذت نصيبًا من اسمها، وأصبحت هي الباب والمدخل والحل لكثير من التحولات والعقد الكبيرة في سورية بشكل خاص، والمنطقة كلها بشكل عام.

الباب هي اليوم نقطة تلاقي قوى عالمية وإقليمية، وتصارع ثلاثة مشاريع أساسية وهامة في المنطقة، تركيا التي تريد تأمين أمنها القومي من خلال مشروع درع الفرات، والأسد وروسيا وإيران ومشروعهم استعادة بسط السيطرة على منبج والرقة وحصر درع الفرات حاليًا في هذه المنطقة الضيقة ليتم مطالبته لاحقا بالخروج من الأراضي السورية، والمشروع الأمريكي الكردي من إقامة دويلة كردية أو فيدرالية وفتح ممر لها للوصول مدينة عفرين المحاذية لتركيا، وتقسيم المنطقة من جديد إلى دويلات إثنية وعرقية وطائفية، وهذا ما يهدد الأمن القومي التركي بالدرجة الأولى.

وماذا بعد تحرير الباب..؟؟

دخلت تركيا عملية درع الفرات لثلاثة أسباب رئيسية واضحة، وهي تأمين المدن التركية من تهديدات تنظيم داعش، ودحره وإبعاده عن الحدود التركية، ومنع قوات الحماية الكردية من فتح ممر يربط بين عفرين والكانتونات الأخرى في عين العرب أو الجزيرة والحسكة، وإقامة منطقة آمنة لتشجيع اللاجئين للعودة بعد تأمين كل الدعم اللوجستي والبنية التحتية، متشجعة مما رأته من نجاح بمدينة جرابلس.

ويمكننا القول إن درع الفرات بوضعه الحالي قد حقق الهدفين الأولين بنسبة عالية، وينتظر الموقف الأمريكي لاستكمال الهدف الثالث وهو تثبيت المنطقة الآمنة وحمايتها دوليًا.

فهل تكتفي تركيا بهذه المنطقة، وهل ينتهي دور درع الفرات بتحرير مدينة الباب..؟؟ وما هي الوجهة بعد الباب؟

طالما صرحت تركيا بأن هدفها هو تأمين منطقة آمنة مساحتها خمسة آلاف متر مربع، وهذا يعني أنها لا تزال بعيدة عن هذا الهدف، وأن عليها الاستمرار والتقدم لاستكمال المراحل الأخرى والسيطرة على مدينة منبج أو التقدم نحو مدينة الرقة. حيث أن المنطقة المحررة حتى هذه اللحظة تقارب الألفي متر مربع فقط.

الوجهة الأولى والمنطقية لقوات درع الفرات بعد الباب هي منبج وليس الرقة.

ولكن كيف سيكون دخول منبج والسيطرة عليها، وهي محتلة اليوم من قبل قوات الحماية الكردية، المدعومة من أمريكا، والتي تربطها علاقات مع نظام دمشق، وليس من المستبعد تسليم منبج لقوات الأسد قبل دخول قوات درع الفرات لها.

منبج هي اليوم ورقة ضغط وتفاوض بين هذه القوى، والتفاهمات الأمريكية التركية هي التي ستحدد من سيدخلها، وكيفية هذا الدخول. هل بالتفاوض والتراضي أم بالحرب والقتال..؟

احتمالات عديدة تقف اليوم أمام الحل في مدينة منبج، فتركيا تنتظر من الإدارة الأمريكية الوفاء بوعدها وتعهدها بإخراج قوات الحماية الكردية منها وتسليمها لأبنائها الأصليين وهم العرب لإدارتها، وهذا هو الاحتمال الاول الذي لا يزال غامضًا وليس مضمونًا.

والاحتمال الثاني هو مقايضة قوات سوريا الديمقراطية لخروجها من منبج مقابل مشاركتها بدور أساسي في عملية تحرير ميدنة الرقة. على حساب انحسار الدور التركي الذي يتوقف عند مدينة الباب وينتهي بها. وهذا يعني تسليم الرقة لقوات سورية الديمقراطية، وتخليًا عن الدور التركي في تحرير الرقة.

أما الاحتمال الثالث فهو دخول درع الفرات منبج، بدون التوافق التركي الأمريكي، مستفيدًا من تجربته أثناء انطلاق الدرع ودخول مدينة جرابلس، وربما هذا ما تطمح له وتتمناه إيران ومن ورائها نظام الأسد على أمل تصدع الحلف التركي الأمريكي، وربما الروسي التركي أيضًا.

الاحتمال الرابع، اقتناع إدارة ترامب الجديدة، بعدم التعويل على قوات الحماية الكردية، ولجم طموحاتها الانفصالية، وتأجيل هذا المشروع بالوقت الحالي، والتعاون التركي الأمريكي لدعم قوات درع الفرات لدخول منبج وتحرير الرقة من خلال تقوية الجيش الحر وردفه بقوات جديدة، بدأت بانضمام بعض الفصائل له، بعد تجميد المساعدات الأمريكية لها أو التلويح بذلك. هذا الاحتمال سيزعج الحلف الآخر من روسيا وإيران للنظام والقوى الكردية المتحالفة معه، ويحمل كثيرا من التحديات ويحتاج لقرار أمريكي واضح وثابت وداعم لتركيا حتى لا تُخذل مرة أخرى كما حدث أثناء تطويق مدينة الباب.

أما الاحتمال الأخير فهو ما نراه على أرض الواقع من تقدم قوات النظام بغفلة من العالم ووصوله لمناطق ريف الباب الجنوب الشرقي والتحامه مع قوات سورية الديمقراطية في مناطق الجنوب الغربي لمدينة منبج، وهذه التفافة خطيرة حول درع الفرات، فهي تقطع طريق الباب- الرقة من جهة وتقترب بل وتصبح على مشارف منبج من جهة ثانية، وهذا هو الخطر الجديد الذي ينتظر درع الفرات وكل المنطقة، في حال انسحاب قوات الحماية الكردية منها وتسليمها للنظام بدون قتال، كما فعل تنظيم داعش في تادف وأمام قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتجهة نحو مدينة منبج.

مثلث التعاون هذا بين نظام الأسد وداعش والحماية الكردية إن استكمل أركانه سيشكل ضربة كبيرة لدرع الفرات، وسيحصره في مكانه الحالي بدون أي توسع أو تقدم.

عدم تقدم قوات درع الفرات نحو مدنية تادف بعد انسحاب تنظيم داعش منها، فتح الطريق لقوات نظام الأسد لاحتلالها من جديد، والتمدد من الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة الباب نحو ريف منبج الجنوبي الغربي، هل هو تحرك متفق عليه دوليًا، وخطوط مرسومةٌ لكل قوة على أرض الواقع، أم هو تكتيك عسكري وحرب وخدعة...

الأيام القليلة القادمة هي التي ستثبت نتائج هذه التساؤلات...

ويبقى التساؤل الأهم دائمًا هو أين المعارضة السورية السياسية والعسكرية وأبناء المنطقة مما يجري على أرضهم وما ينتظرهم من مستقبل قد يعضون أصابعهم ندمًا لتفريطهم به هذه الأيام...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس