أتلاي أتلي - آسيا تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس

تشكل المبادرة الصينية "حزام واحد- طريق واحد" خطة كبيرة لتعزيز الربط بين الدول الأوروآسيوية، وتطوير البنية التحتية، وزيادة التجارة، وخلق الرفاهية من خلال الاستثمارات المشتركة والمنفعة المتبادلة. تبدي الدول الواقعة على طول الطريق حماسة للمشروع، وتتطلع إلى الاستفادة منه في شكل تمويل صيني واستثمارات مادية وتكنولوجية.

ليست تركيا استثناء في إبداء الحماس لهذا المشروع، حيث يشعر الأتراك أن بلادهم تربط حرفيا وجغرافيا آسيا بأوروبا، والغرب بالشرق، ولذلك ينبغي لها أن تمتلك مكانة خاصة بها. وقد وقعت الحكومة التركية بالفعل عددا من الاتفاقيات مع الصين للتعاون في تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية، وإدماج مشروعات الطرق التركية الرابطة بين بحر قزوين وآسيا الوسطى بالمشروع الصيني. وأنشأت وزارة الخارجية التركية فريق عمل بيروقراطي للتعاطي مع انخراط تركيا بالمشروع بمساهمة وزارات النقل والطاقة والاقتصاد والجمارك. وفي الوقت نفسه تبدي الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التركي اهتمامها بالمشروع، حيث يزداد تركيز المؤسسات الأكاديمية التركية على الدراسات المتعلقة بالصين، وأطلق مجتمع الأعمال عددا من الفعاليات المتعلقة بمشروع حزام واحد. ويعمل مجلس الأعمال التركي الصيني على تنفيذ خطة لإقامة نصب تذكاري على الجزء التركي من طريق الحرير القديم على غرار النصب الموجود في مدينة شيان الصينية.

وفي حين يبدي الأتراك اهتماما كبيرا بمشروع حزام واحد، ويحاولون استكشاف الاهداف التي يمكن أن تعود عليهم من ورائه، فإن الجانب الصيني في النسخة البحرية للمشروع "طريق الحرير البحري" يبدي اهتماما أقل بكثير، وهو أمر يبعث على الحيرة نظرا لأن تركيا تطل على ثلاثة بحار رئيسة هي البحر الأسود والبحر الأبيض وبحر إيجة. على أن هذا التجاهل يبدو الآن على العكس تماما، إذ يدور نقاش في تركيا الآن حول ما إذا كان ينبغي لتركيا أن تكون جزءا من طريق الحرير البحري وكيف يتحقق ذلك.

يقبل الأتراك بحقيقة أن اليونان وليس تركيا هي الشريك البحري الأقوى للصين في هذا الجزء من العالم، فقد تم تطوير ميناء بيرايوس  بالقرب من أثينا تدريجيا منذ عام 2009 باستثمارات صينية، واعتبارا من أغسطس/ آب 2016 استحوذت شركة الشحن الصينية "كوسكو" على الحصة الأكبر في مرافق الميناء. وبعد أن وصل الحجم السنوي للحاويات  إلى 3.67 مليون حاوية في عام 2016 (ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 5 ملايين حاوية بحلول عام 2018) صار ميناء بيرايوس أكبر ميناء للحاويات في شرق المتوسط، ونقطة دخول رئيسة للمنتجات الصينية إلى الأسواق الأوروبية. ونظرا لطول مدة علاقة الشراكة الوثيقة بين أصحاب السفن اليونانية وشركات الشحن الصينية، فليس من المستغرب أن ميناء بيرايوس أصبح مركزًا للأنشطة الصينية في المنطقة. بلغت مساحة ميناء بيرايوس خمسة أضعاف مساحة الميناء التركي المقابل على بحر إيجة، وهو ميناء السانجاك في إزمير. وفي حين يستبعد الأتراك إمكانية الإطاحة باليونانيين الشريك الأقرب للصينيين في المنطقة، وأن يحلوا محل ميناء بيرايوس بميناء تركي، فإنهم يعتقدون أن تركيا يمكن أن يكون لها مكان في طريق الحرير البحري بموانئها، على أن لا يكون الهدف تجاوز الموانئ اليونانية بل تكملتها.

وقد بدأت الشركات الصينية بالفعل الاستثمار في البنية التحتية للموانئ التركية، ففي عام 2015 دفعت مجموعة كوسكو ومجموعة التجار الصينية القابضة ومؤسسة الاستثمار الصينية 920 مليون دولار لشراء حصة بلغت 65% من ميناء كومبورت بالقرب من إسطنبول. وتنظر تركيا إلى هذه العملية بوصفها خطوة  أولى مهمة في إدماج تركيا في طريق الحرير البحري، كما أن هناك ميناءين آخرين يملكان إمكانات أكبر في هذا الصدد: الأول هو ميناء تشاندارلي شمال إزمير ويقع على مرمى البصر من جزيرة  ليسبوس اليونانية، وهذا الميناء هو أقرب ميناء تركي لميناء بيرايوس، ويقع في موقع ملائم لنقل المنتجات في حاويات من إسطنبول ومنطقة مرمرة إلى أوروبا. لكن المشكلة أن هذا الميناء الذي يستوعب 12 مليون حاوية ما يزال يفتقر إلى البنية التحتية للنقل متعدد الوسائط، مثل السكك الحديدية، والربط البري، إلى جانب الإجراءات البيروقراطية التي تزعج المستثمرين المحتملين. ويُنظر إلى الاستثمارات الصينية عبر طريق الحرير البحري على أنها حل ممكن لهذه المشكلة.

الخيار الآخر المعتبر في إدماج تركيا بطريق الحرير البحري هو تحديث ميناء مرسين على الساحل الشرقي للمتوسط، أو أن تنشئ تركيا محورا بحريا جديدا على طول خط مرسين إسكندرونة. وفي كلتا الحالتين سيكون هذا الميناء أقرب ميناء تركي على البحر المتوسط ملائما لاستقبال سفن الحاويات التي تمر عبر قناة السويس، ويجعل من السهل الوصول إلى أسواق أفريقيا وإيران والطرق البرية لمشروع طريق واحد.

هذه الخيارات كلها يمكن أن تكون لها قيمة كبيرة لمستقبل طريق الحرير البحري وصناعة النقل البحري في تركيا على حد سواء. ومع أن تركيا ليست عملاقا عالميا في الشحن مثل اليونان، فإن لديها عددا من نقاط القوة التي يمكنها، إلى جانب موقعها الجغرافي، أن تجعل من تركيا جزءًا لا يتجزأ من مشروع طريق الحرير البحري. أولا تزداد الطاقة الاستيعابية للموانئ في تركيا، فوفقا لبيانات وزارة النقل لعام 2016  بلغ الحجم السنوي الكلي لمناولة الحاويات الدولية في الموانئ التركية 8.8 مليون حاوية، مقارنة بـ3.9 مليون حاوية فقط في عام 2006. لا تحتاج الموانئ التركية إلى زيادة مناولة الحاويات، بل الأهم هو تحسين البنية التحتية التي تجعل الموانئ ملائمة للنقل متعدد الوسائط، من خلال تزويد الموانئ بخطوط السكك الحديدية، وربطها بالطرق البرية. ويتوقع أن تدخل هذه المسالة تحديدا ساحة الاستثمارات الصينية عبر مشروع طريق وواحد وطريق الحرير البحري.

وفي هذا الصدد تملك تركيا نقطة قوة أخرى هي أن شركات الشحن ومشغلي الموانئ في تركيا تسير في عملية توسيع للموانئ وتوسيع اتصالاتها العالمية. وقد ذكرت أكبر إحدى عشر شركة للشحن في تركيا أن أصولها تقترب من 6 مليارات دولار، وهذه الشركات قادرة على تقديم خدمات الشحن المتطورة في المنطقة الأورومتوسطية بأكملها. وعلاوة على ذلك بدأت شركات تشغيل الموانئ التركية تسرع في شراء حصص في الموانئ في جميع أنحاء العالم. وتنقسم الشركات التركية العاملة في الموانئ إلى شركات تشغيل أو صاحبة أسهم في 29 ميناء معظمها في أوروبا، وشهد عام 2016 شراء حصص جديدة في موانئ في دول اخرى. ونظرا لأن الشركات التركية تزداد نموا من حيث المساحة والخبرة، فإن الشراكة المستقبلية مع الشركات الصينية مثل مجموعة كوسكو تقدم إطارا واعدا للتعاون.

لا يقتصر طريق الحرير البحري على الاقتصاد فحسب، بل يشمل أيضا الجانب الجيوسياسي، ولا يمكن لتركيا أن تهرب من هذا الواقع. خلال ندوة عقدها أخيرا المنتدى البحري في جامعة كوتش جمعت أكاديميين وخبراء في صناعة النقل البحري وأدميرالات متقاعدين، طُرح سؤال عن النتائج الجيوسياسية لمشاركة تركيا في طريق الحرير البحري. عقدت الندوة في متحف سفينة ترسو على ساحل القرن الذهبي في إسطنبول، وهو مكان مثالي لعقد مناقشات بشأن هذه المسألة. أثير سؤالان مهمان: الأول حيث إن الصين تزيد وتيرة تعاونها مع اليونان، بينما ما تزال تركيا على هامش طريق الحرير البحري، فماذا سيكون موقف الصين في حالة حدوث نزاع بين تركيا واليونان في بحر إيجة؟. والسؤال الثاني : إذا استثمرت الصين في الموانئ التركية، وحصلت على مقابل كبير قد يصل غلى المشاركة في السيطرة على المرافق، فهل يمكن للصين أن تحول هذه الموانئ للاستخدام المزدوج أي أن تكون للتجارة والاستخدام العسكري؟ وماذا يعني ذلك لعلاقات تركيا مع الصين من جهة وعلاقتها بحلفائها الغربيين من جهة أخرى؟

هذه الأسئلة في حاجة إلى الإجابة عنها في الوقت المناسب، وحتى ذلك الحين سيستكشف الأتراك والصينيون الذين يستثمرون بالفعل في السكك الحديدية في تركيا، إمكانيات التعاون في القطاع البحري. 

عن الكاتب

ألتاي أتلي

أكاديمي تركي مختص بالاقتصاد السياسي الدولي والعلاقات الدولية، وباحث زميل في الدراسات الآسيوية بمركز إسطنبول للسياسة في جامعة صبانجي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس