جمال الهواري - خاص ترك برس

خلال  أحد اللقاءات الصحفية للسفير الأمريكي السابق في تركيا "جيمس جيفري" قال نصًا: "أردوغان" يواجه الغرب ويتصارع معهم في كل موضوع ولا يسعى للعمل على إنشاء صداقة معهم، أردوغان غير مرغوب فيه في واشنطن، ولا في أوروبا كذلك، إنه يتنازع معنا ويواجهنا ويتحدانا، بل ويصفعنا ولا يسعى لصداقتنا عكس الحكام الأخرين الذين يتملقون للغرب على الدوام، إنه يفعل ما يدور في ذهنه ولا يقول ما نُحب أنْ نسمعه وهذا ما يجعلنا غاضبين.

تلك التصريحات تظهر وبمنتهى الوضوح لماذا لا يريد الغرب "أردوغان" لأنه وببساطه كسر قاعدة التبعية للغرب التي ظنوا أنها راسخة في الشرق الأوسط ومستعمراته السابقة وانتقل بتركيا إلى موقع الند والشريك الذي يتحرك بما فيه مصلحة تركيا وشعبها قبل كل شيء، وحوّلها من دولة مثقل كاهلها بالديون وغارقةً في مشاكل اقتصادية وسياسية لا حصر لها إلى دولة عضو في نادي العشرين لأقوى اقتصاديات العالم، إضافة إلى كونها القوة العسكرية الثانية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة مع احتياطي نقدي مريح وعلاقات اقتصادية وسياسية متوازنة شرقًا وغربًا وفرضت تركيا نفسها كقوة إقليمية لها وزنها وتأثيرها فيما يجري من أحداث في المنطقة.

لقد وضع "أردوغان" الغرب أمام واقع جديد وهو أن هناك قوة اسمها تركيا اتخذت موقعها بين الكبار، وإنها لن تقبل أن يملي عليها أحد افعالها بل هي تتحرك لما فيه مصلحتها مع عدم إغفالها لمحيطها العربي والإسلامي، وهذا هو ما يبدو أنه السبب الأكبر لنقمة الغرب على تركيا وأردوغان حيث بدا واضحًا أن تركيا قد بدأت تأخذ موقعًا رياديًا قويًا ليس في المنطقة فحسب بل في العالم كله.

لقد فضح "أردوغان" الغرب وأجبره على إظهار وجهه القبيح وديمقراطيته الزائفة وعدائه السافر للإسلام، فبينما يهاجم تركيا ذات النظام الديمقراطي والحكومة المنتخبة بإرادة شعبية تجده يساند انقلابًا دمويًا في مصر ويعقد معه الصفقات ويمنحه القروض ويمده بالسلاح ويصم آذانه وعيونه عن جرائمه.

لقد أثبت "أردوغان" للغرب أنه قادر على مقارعتهم و الرد عليهم بقسوة وبسرعة وبدون مواربة أو لف ودوران، فما إن منعت ألمانيا وهولندا فعاليات كان مزمع إقامتها للترويج للتعديلات الدستورية بحضور وزراء أتراك في خطوة أقل ما توصف به أنها عجرفة وانتهاك لأصول وقواعد الدبلوماسية والديمقراطية حتى عاجلهم أردوغان فاتّهم ألمانيا بالممارسات النازية، وتم إغلاق الطرق المؤدية للسفارة والقنصلية الهولندية وإخطار السفير بعدم العودة إلى أنقرة في الوقت الحالي، بل وفضح تورط هولندا في مجزرة "سيربرينيتسا" ودورها في قتل 8 آلاف من مسلمي البوسنة.

وسرعان ما انتقلت ألمانيا وهولندا لموقف الدفع للتهدئة حيث توجهت ميركل لرئيس الوزراء التركي يلدريم طلبًا لعمله على نزع فتيل الخلاف، وتراجعت هولندا وصرحت بأنها ستناضل في سبيل التهدئة، وقالت المفوضية الأوروبية إن لتركيا كل الحرية والحق في اختيار نظامها السياسي.

إن التوتر الحالي والمتسارع في العلاقات التركية الأوروبية لا يبدو موجهًا لتركيا نفسها بقدر ما هو موجه لشخص الرئيس "أردوغان" الذي لم ينسَ للغرب موقفه من محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016 وترقب الغرب بل وتمنيه أن ينجح الانقلاب ليزيح حكومته التي أصبحت بمثابة الصداع لهم، وجن جنونهم عندما رأوا أن الشعب التركي خرج من تلك المحاولة الآثمة أكثر وعيًا وتماسكًا والتفافًا حول النظام الديمقراطي رافضًا عودة البلاد إلى عصر الانقلابات العسكرية المظلم.

الجميع يعلم جيدًا أن حزمة التعديلات الدستورية التي سيجري الاستفتاء عليها في 16 أبريل/ نيسان المقبل تهدف إلى تحول تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي وما له من آثار إيجابية على وحدة البلاد واستقرارها سياسيًا، مع توسيع سلطات رئيس الجمهورية والقضاء على ازدواجية السلطة، ومنع تحرك الحكومات المؤسسة تحت تأثير وضغط البيروقراطية العسكرية والقضائية، وتقليص وصاية البرلمان، وبموجبها أيضًا سيتم تعيين القضاة عن طريق البرلمان مما يعني استقرار منظومة القضاء وإبعادها عن التسييس والاستقطاب، وقيامها بدورها المنوط بها من حماية للعدالة والقانون دون الانحياز لأي طرف.

الغرب يجد من الصعب عليه أن يتقبل أن هناك شخصًا ذو فكر إسلامي استطاع أن يعيد تركيا بالتدريج إلى دولة لها ثقلها ومكانتها الدولية، دولة مستقلة القرار عن طريق حزب "إسلامي" الفكر والتوجه، واستطاع أن يتخلص من التغلغل الغربي داخل مؤسساتها شيئًا فشيئًا، وأصبح العلمانيون واليساريون الأتراك المعارضون لأردوغان يدافعون عن هذه الدولة بنفس الدرجة إن لم يكن أشرس من مؤيديه، وبدا هذا واضحًا في تصريحات رؤساء الأحزاب المعارضة التى أتت مؤيدةً ومعضدةً لموقفه في وجه الأوروبيين، وهذا هو مكمن براعة وقدرة "أردوغان".

لقد أصبح جليًا تخوف الغرب مما بات يعرف إعلاميًا بظاهرة "السلطان أردوغان"، الذي يرى خصومُه أنه "بدأ يتغول" في السياسة ويسعى "لإحياء أمجاد الدولة العثمانية"، رغم أن "أردوغان" لم يعلن نفسه أميرًا للمؤمنين ولا خليفة كما يتهمه الكارهون له، هو ببساطة رئيس لتركيا التي باتت تنظر إليها الشعوب العربية والإسلامية كالمنقذ والملاذ لها كلما ألمّت بها أزمة أو كارثة.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس