محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

من المعلوم أنّ هناك ترابطاً وثيقاً بين الانقلابات العسكرية التي حدثت في تركيا والمسألة الكردية. لكنّ الرأي العام في تركيا لا يعرف مدى تأثير الانقلاب الذي جرى عام 1960 بهذه المسألة. فالمعلومات حول التّأثير والتّأثّر بين انقلاب 1960 والمسألة الكردية شحيحة لدى الشّارع التركي. وكل ما يعلمه الشّعب عن هذا الموضوع، هو أنّ الانقلابيّين اقتادوا آنذاك ما يقارب الثلاثمئة من وجهاء وأعيان الأكراد إلى الزنزانات في مدينة "سيفاس".

لكن: لماذا قام الانقلابيّون بهذا الشيء على الرّغم من أن تلك الفترة لم تشهد حراكاً سياسياً من قبل الأكراد؟

للإجابة على هذا التّساؤل، علينا أن نطّلع على ما كتبه "أورهان إركانلي" في مذكّراته. وقد كان إركانلي من الشّاهدين على تلك الأحداث آنذاك. حيث قال "إنّ الدّولة أرادت القضاء على النظام العشائري (الآغواتيّة) حتى لو استدعى الأمر دمج المجتمعات الشرقية بالغربية عن طريق الترحيل القسري".

ربّما يستصعب على البعض فهم ما قاله إركانلي في هذا الصّدد. ولكي نستطيع أن نفهم ما قاله، علينا أن نطّلع على ما قاله "جلال طاهر" عن أحداث انقلاب عام 1960. حيث قال مايلي:

"إن انقلاب عام 1960 كان عبارة عن مشروع. لأنّ الغاية الرئيسية لهذه الضّربة العسكرية لم تكن إسقاط حكم الحزب الديمقراطي وإبعاد عدنان مندرس عن الحكم فحسب، بل كانت الغاية الحقيقية هي منع الحزب الديمقراطي من تمثيل اليمينيين والمحافظين ككل. ونتيجة إسقاط الحزب عن الحكم، قاموا بفصل اليمينيين عن المتديّنين والمتديّنين عن القوميين الأتراك. وكذلك وضعوا حاجزاً بين المتديّنين والقوميّين الأكراد".

أمّا بالنسبة للعلويّين، فقد قاموا بضمّهم لليساريّين. وفي هذا الصّدد قال عصمت إينونو آنذاك إن حزب الشّعب الجمهوري سيتّخذ موقفاً ميّالاً لليساريّين لكنّهم سيظلّون في الوسط.

بهذه الوسيلة أعادوا هيكلية النظام السياسي في تركيا. فقد تعمّدوا الفصل بين الإسلاميّين والقوميّين الأتراك وقاموا بدمج الأكراد المنشقّين من الحزب الديمقراطي إلى صفوف اليساريّين. وهذه الخطة لم تكن نابعة من العقول المحلّية فحسب. إنّما كانت بالاشتراك مع الخارج.

إن من أحد أسباب الاستعجال في مشروع انقلاب عام 1960، هو اتّخاذ عدنان مندرس وزملائه قراراً بإعادة النّظر في علاقات تركيا مع الولايات المتّحدة الأمريكية آنذاك.

والتّصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية "فاتين رشدي زورلو" الذي أعدم مع مندرس آنذاك للصحفي "كمال باغلوم" مهمة في هذا الصّدد. حيث قال: "منذ ما يزيد على العام، وأنا أحاول إقناع السيد عدنان مندرس بإقامة علاقات مع الاتّحاد السوفيتي ودول العالم الثالث. كما قلت له إنّ هذه العلاقات ستعود بالنّفع الكبير على الدّولة التركية وستجلب لنا أصدقاء كثر في الأمم المتّحدة".

لقد ظهرت نتائج إسقاط الحزب الديمقراطي من الحكم عن طريق هذا الانقلاب والتّعديلات الاجتماعية التي جرت عقب هذا الانقلاب، في الأعوام التي تلت الستّينيّات من القرن الماضي. وما زالت عواقب هذا الانقلاب تقف عثرة أمام الدّولة التركية في كل زمان ومكان.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما حدث في تسعينيات القرن الماضي من أحداث دمويّة عندما حاول الرئيس الراحل "تورغوت أوزال" حلّ المسألة الكردية عن طريق المحادثات بين الأطراف المتنازعة.

وما نشهده من أزمات على حدودنا مع دول الجوار، يشبه إلى حد ما التعديلات والتقسيمات الاجتماعية والسياسية التي جرت عام 1960. وكأنّ هذه الأزمات النّاتجة عن تنظيم الدّولة الإسلامية التي تخوض حرباً بالوكالة، هي استمرار لتلك المخطّطات التي وضعت في السّتّينيّات.

ولأنّ الدّولة التركية تحاول جاهدةً رسم سياساتها الخارجية وحل المسألة الكردية لوحدها وبمعزل عن الضّغوطات الخارجية، فإنّها تواجه عزلةً وحصاراً من قبل الأطراف الإقليمية والدّولية.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس