نهاد علي أوزجان – صحيفة ميللييت – ترجمة وتحرير ترك برس

إخراج داعش من الباب على يد الجيش التركي والجيش السوري الحر، وعملية الرقة التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرار روسيا بإرسال قواتها إلى عفرين، كل ذلك جعل سوريا في صدارة الأجندة اليومية. غير أن المشاكل لدى جارنا الآخر العراق تتفاقم ويزيد تعقيدها مع مرور الوقت.

مع تواصل التطهير على الأرض وصل كيان الدولة في تنظيم داعش إلى نهاياته، وفي المستقبل القريب لن نرى التنظيم في المدن على الأقل. ويرى المتابعون أن التنظيم لن يتلاشى تمامًا، وسيواصل وجوده بطابع آخر. سيواصل داعش، أو التنظيمات التي ستتفرع عنه وجوده على الأرض من خلال عملياته، وعلى الإنترنت من خلال أفكاره. ولن يكون من المفاجئ أن يتكرر مشهد تمدد التنظيم في العراق، عندما تجتمع المنافسة الإقليمية مع فشل المسؤولين والدمار والضحايا والغضب الناجم عن العملية العسكرية.

على الرغم من معرفة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بارتفاع كلفة الحرب في العراق، وطبيعة المشكلة وتعقيدات المرحلة، إلا أنها ستعلن بعد فترة "النصر العسكري"، من أجل تلبية تطلعات الشارع. لكن في ظل الظروف الراهنة تبدو فرص تحول "النصر العسكري" إلى استقرار سياسي ضئيلة، ولهذا فإن بقاء هذا النصر في الواجهة لمدة طويلة غير ممكن. وأكثر ما يثير القلق هو تغير طابع النزاع وأسبابه والأطراف المتنازعة، واندلاع مآسٍ مشابهة من جديد.

نقل تنظيم داعش عن معرفة الحرب إلى مركز المدن. وتحت ضغوط الرأي العام، استخدم الحلفاء نيرانهم بكثافة، ليحمّلوا المدنيين "كلفة النصر". والمأساة الإنسانية في الموصل هي أكبر دليل على ذلك. يظهر مدى ارتفاع كلفة الحرب في صور المدنيين القتلى أو الفارين على الطريق للنجاة بأرواحهم، أو من فقدوا بيوتهم، أو الأبنية المتضررة والمدمرة. الأسوأ من ذلك هو أن الآمال معدومة في القضاء على كل تلك السلبيات على المدى المنظور.

وعلى صعيد آخر، يبدو المشهد على الجبهة الكردية في العراق معقدًا للغاية. فعلاوة على الجدل الدائر حول استقلال الإقليم، تحتدم المنافسة بين الحزب الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. ويسعى الحزب الوطني، من أجل تحقيق مكاسب على الساحة الداخلية، إلى التأكيد على أنه "أكثر قومية"، ولذلك يثير باستمرار مشكلة كركوك.

ورفع العلم الكردي على المباني العامة في كركوك يسمم العلاقات مع الحكومة المركزية من جهة، ومع المكونين العربي والتركماني في المدينة. من جهتها، تزيد حكومة الإقليم الكردي من التوتر بسيطرتها، خلال المعارك مع داعش، على مناطق يقطنها العرب.

الشق الآخر من التوتر بين الأكراد أنفسهم هو حزب العمال الكردستاني. فتزايد الفعالية العسكرية والسياسية لهذا الحزب الإرهابي في سوريا والعراق يزعزع التوازنات. ومع تصدره القوى الموجودة في سوريا، وسيطرته على سنجار بعد جبال قنديل في العراق، بدأ الحزب يصب الزيت على النار بين الأكراد أنفسهم من جهة، وبين الأكراد والعرب من جهة أخرى. وعند التفكير بالتدخلات المعلنة وغير المعلنة لدول المنطقة وخارجها، يمكننا القول إن الأزمة العراقية ستحافظ على مكانها في الأجندة طويلًا.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس