بولنت إيرنديتش – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

ما زالت أصداء الاجتماعات التشاوية التي عقدها كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري لتحديد الاستراتيجيّات في انتخابات عام 2015، تدوّي في الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا. فقد تناولت الأوساط المعنيّة تفاصيل هذه الاجتماعات من كل جوانبها سواءً من ناحية اختيار كل من الحزبين مكان الاجتماع، مروراً بالخطابات التي ألقيت فيها واستطلاعات الرأي السرّية التي أجروها، وانتهاءً بالشعارات التي حدّدوها للانتخابات المقبلة التي من المقرّر أن تجري في حزيران/ يونيو العام القادم.

اختار حزب العدالة والتنمية مدينة "أفيون" لعقد اجتماعاته التشاوريّة. هذه المدينة التي تحتضن مفهوم القوى الوطنية منذ أمد بعيد ومنها بدأت مسيرة استقلال للجمهوريّة التركية. كما تعدّ هذه المدينة من أهمّ المدن التي استحوذت على اهتمام مصطفى كمال أتاتورك، باني تركيا الحديثة.

أمّا حزب الشّعب الجمهوري، فقد اختار مدينة "أنطاليا" لعقد اجتماعاته التشاوريّة. وتعتبر هذه المدينة بمثابة العاصمة السياحيّة للدّولة التركية. فعند ذكر اسم هذه المدينة، يخطر على بال السّامع البحر والاستجمام والتّمتّع بشمسها اللامعة.

فلو نظرنا إلى أماكن الاجتماعات، لربّما استطعنا أن نستنتج الفرق بين أهداف وغايات هذين الحزبين.

اما اذا ألقينا نظرةً على الشعارات التي تمّ اتّخاذها من قبل الحزبين من أجل الانتخابات المقبلة، فإنّنا نجد أن رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو قد قرّر أن يكون شعار الحزب في هذه الانتخابات "تركيا الكبيرة" وخلال حديثه قدّم لمحة عن أهداف تركيا المستقبلية وخاصة الأهداف المتعلقة بأعوام 2023 و2051 و2071. كما أفصح عن نيّة الحزب إعادة ترميم الجمهورية التركية.

بينما اتّخذ زعيم حزب الشعب الجمهوري شعار "الطريق نحو الأمل”، وكان قد أفاد في حديثه بأنّه سيقوم بسرد تفاصيل وعوده في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الموافق لهذا اليوم. ومن ثم بدأ كعادته بتوجيه الانتقادات لحكومة العدالة والتنمية.

لم نسمع أبداً من حزب الشعب الجمهوري ايّ خطط أو برامج تهدف إلى تطوير الدّولة التركية. وكأنّهم يريدون الحفاظ على تركيا القديمة التي اتّسمت عبر سنين طويلة بتبعيّتها للقوى العالمية.

لو نظرنا إلى تاريخنا القديم، لوجدنا أنّ السلاجقة والعثمانيين كانوا كباراً بكل ما تعنيه كلمة الكبر من معنى. لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟

إذا ما استثنينا فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، فقد تخلّى حزب الشّعب الجمهوري بقيادة "عصمت إينونو" عن البلقان والشّرق الأوسط. وابتعدا عن العالم الإسلامي. كما انغلقا ضمن حدود معيّنة.

لا يعني شعار تركيا الكبيرة أن نعيد ضمّ البلقان والشّرق الأوسط إلى بنية الدّولة التركية عبر الجيوش الجرّارة، إنّما يعني تقوية السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدّول، وفتح آفاق جديدة للأمة التركية. وكذلك الوصول إلى لعب دور حجر الأساس الذي يتحكّم بالسياسات العالمية.

فالرئيس رجب طيب أردوغان ومثله رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو يتمسّكون بشعار تركيا الكبيرة. بينما لا نجد أي بوادر من حزب الشعب الجمهوري في هذا الصّدد.

هنا أودّ أن أطرح سؤالاً مهماً: أي الحزبين أشدّ تمسّكاً بمبادئ مصطفى كمال أتاتورك؟

إن دفاع "سيلين بوكي" العضوة الجديدة في حزب الشعب الجمهوري عن النظام الرأسمالي الأمريكي خلال تقديمها البرنامج الاقتصادي للحزب في مدينة أنطاليا، خلق نوعاً من الإحباط لدى الجميع.

ولو نظرنا إلى الارتقاء السريع لـ "بوكي" في حزب الشعب الجمهوري، نجد أنّ وراءها الولايات المتحدة وكمال درويش. لا سيما أنّ بوكي ترعرعت في أزقّة واشنطن وفي أروقة صندوق النقد الدّولي.

والكل يعلم أن كمال درويش أيضاً كان قد ترعرع على أيدي الامريكان. حيث أرسلوه كمنقذ الى أنقرة في العام 2001 عقب الأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بالبلاد آنذاك. وحينها أصبح درويش الرجل الثاني في حزب الشعب الجمهوري. والآن يتكرر السيناريو داخل هذا الحزب.

لكنّ الأمر مختلف هذه المرّة. فهناك رئيس قوي ورئيس وزراء عازم على المضي قدماّ نحو تركيا الكبيرة.

عن الكاتب

بولنت إرانداتش

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس