د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس

مع اقتراب 16 نيسان / أبريل موعد انتخابات الاستفتاء الشعبي على مجموعة من القوانين تشمل تغيير النظام في تركيا إلى نظام رئاسي وتغيير سن الانتخاب والترشح للبرلمان وغيرها من القوانين المختلفة التي تنظم الحياة السياسية في تركيا بشكل أشبه بالانقلاب على قوانين الثمانينيات المعروف بقانون العسكر أو قانون الانقلاب، بدأت شركات الاستطلاع المختلفة بنشر العديد من التوقعات المبنية على استطلاعات لرأي الشارع المختلفة.

ومع اقتراب هذه الانتخابات، بدأ مختلف اطراف الشعب بتحديد موقفهم تأييدًا أو رفضًا لهذا التغيير الدستوري بحيث اصطف الناس بين مؤيد ورافض كل يبرر موقفه بصيغة وشكل يرى فيه الأحقية والصواب.

وعلى الرغم من أن شركات الاستطلاع غالبًا لا يمكن التعويل عليها بشكل قاطع لما تكون عليه من تأييد ضمني أو إنكار، وعلى الرغم من أن الرأي الحيادي هو أمر يصعب التوصل إليه فعلياً، إلا أن النظر إلى هذه التنائج  يعطي تصورًا لا بأس به عما قد تصل إليه النتائج الحقيقية بعد الانتخابات.

وقبل الخوض في هذه الأرقام والتفاصيل، وبتتبع للنظرة السياسية لحزب العدالة والتنمية فإننا نجد أن هذا الحزب يعول على الفوز بهذه الانتحابات لأسباب متعددة هذا أهمها:

أولا- يعول حزب العدالة والتنمية على أن نسبة الشعب التي ستصوت بالموافقة على التعديلات الدستورية لن تكون من قاعدته الشعبية فحسب بل إنها ستكون من مختلف التوجهات السياسية في البلد بحيث أن التوقعات تشير إلى احتمالية الحصول على أن نسبة 4 في المئة من مؤيدي حزب الشعب الديمواقراطي الكردي سيصوتون بـ "نعم" برغم قادتهم الذين يدعون للتصويت بـ"لا". والسبب في هذا التوجه هو ما حققته الحكومة من فرض سيطرتها على معاقل حزب العمال الكردستاني في المناطق الجنوبية وتأمين حيز كبير من الاستقرار والأمان في المنطقة وهو ما خفف سطوة هذا الحزب المصنف إرهابيًا في تركيا وأعطى للشعب هناك فرصة أكبر في إمكانية التصويت بما تمليه عليه إرادته الحرة. إضافة إلى أن الغضب الذي اصطحب فترة الاعتقالات لقادة الحزب قد خفتت حدتها بشكل كبير. أضف إلى ذلك أن ساسة الحزب يتجنبون اليوم الضغط على قاعدتهم خوفًا من خسارتها وهي القاعدة التي تمتلك رغم كل ما يشاع عنها نسبة غير قليلة من الوطنيين الذين يرفضون الانفصال عن تركيا ويعتبرون أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من هذه الدولة.

ثانيًا- كذلك الأمر فإن نسبة 50 في المئة على الأقل من أبناء حزب الحركة القومية يتوقع لهم التصويت بنعم. وهو الحزب الذي نال في الانتخابات الأخيرة 10.5 في المئة أي بمعنى آخر يمكن احتساب نسبة 5 إلى 6 في المئة من الأصوات الإيجابية من مؤيدي حزب الحركة القومية لصالح التغييرات الدستورية الجديدة. والملفت هنا طبعًا التوجه الرافض بنسبة كبيرة  من مؤيدي هذا الحزب للسياسة التي يعتمدها رئيسها الحالي دولت بهتشلي بما يعتمده مؤخرًا من تأييد  وموافقة لكل ما يقدمه حزب العدالة والتنمية من تغييرات دستورية أخيرة وبخاصة بعد انقلاب 15 تموز الأخير باعتباره أن مصلحة الدولة فوق مصلحة الحزب حاليًا. كما أن لهذا الرفض ربما أسبابه الأخرى لكون حزب الحركة القومية من أكثر الأحزاب التي تم اختراقها من قبل الحركة الموازية التي قادت الإنقلاب الأخير بل وصل بهم الأمر إلى محاولة السيطرة التامة على الحزب عبر إقصاء دولت بهتشلي نفسه. جزء آخر من الذين سيصوتون رفضًا من أبناء هذا الحزب يعتقد أن نجاح هذا التصويت سيعتبر نهاية لحزب الحركة القومية التي لن تتمكن يومًا من الوصول إلى سدة الحكم بمفردها. وهو ما يعني انصهارها داخل حزب العدالة والتنمية وهو الأمر الذي يرفضونه رفضًا قاطعًا.

ثالثا- يعتبر حزب العدالة والتنمية أن نسبة التصويت بالرفض "لا" من أرضيته الشعبية سيكون محصورًا بنسبة 4 إلى 5 في المئة فقط وهو ما يرجح بسبب خوف هذه النسبة من التحول إلى حكم الرجل الواحد الذي يتم الترويج إليه بكثرة من قبل الأحزاب المعارضة بشكل كبير. إضافة إلى أنهم يفضلون بقاء الحزب الحاكم ولكن بهذا الشكل الذي هو عليه اليوم وليس بالشكل الرئاسي المقترح. وهو ما يسعى حزب العدالة والتنمية إلى تفاديه عبر العديد من الدعايات والحملات الإنتخابية التي تفسر للشعب القوانين بشكل مبسط يؤكد بطلان هذه الادعاءات الغير واقعية. فرئيس الجمهورية مثلاُ وإن كان يمتلك الحق في حل البرلمان، إلا أن قيامه بمثل هذا الأمر يعني حل نفسه أي أنه بمجرد حل البرلمان سيتم الإعلان عن انتخابات جديدة ليس فقط للبرلمان فحسب بل لرئيس الجمهورية أيضًا الذي ستعتبر ولايته أيضًا منتهية.أضف إلى أن القوانين الجديدة تعطي الحق بمحاكمة الرئيس ومحاسبته وهو الأمر الذي لا يمكن حاليًا في الدستور الحالي. وبالتالي فإن فكرة ديكتاتورية الرئيس يعتبر أمرًا غير وارد أبدًا بناءً لهذه القوانين الجديدة.

رابعًا- على الرغم من أن بعض الأحزاب الصغيرة مثل حزب السعادة، حزب المرحوم البروفسور نجم الدين أربكان قد أعلنت بشكل غريب رفضها للتعديلات الدستورية التي كانت في يوم من الأيام مطلب مؤسسها أربكان، إلا أن هذا الإعلان لم يلق له أرضية فعلية عند قاعدة هذا الحزب للسبب نفسه الذي ذكرته قبل قليل وهو كون هذه التعديلات تأتي في صلب ما تمناه يومًا مؤسس الحركة الإسلامية في تركيا الراحل نجم الدين أربكان. وإلى جانب حزب السعادة هناك حزب الوحدة الكبير الذي أعلن تأييده للتصويت بـ "نعم" امتثالاً عند رغبة مؤيديه.

خامسًا- أصوات المغتربين، وهي الأصوات التي تحولت بشكل كبير إلى مؤيدة للتعديلات الدستورية بعد سلسلة الحوادث المتكررة من قبل الدول الأوروبية بشكل سافر حجبًا لحملات التأييد تارة ورفضًا لدخول السياسيين من حزب العدالة والتنمية ووزرائه تارة أخرى في كل من ألمانيا وهولندا وغيرها من الدول وهو ما أثار القومية التركية ودفع بنسبة كبيرة إلى التصويت بـ"نعم" كنوع من الإعتراض على الهمجية الأوروبية  في التعامل مع الشعب التركي القومي بطبعه.

سادسًا- المعارضة التركية متمثلة بشكل رئيسي بحزب الشعب الجمهوري لم ترتق فعليًا إلى الزخم الفعلي الذي يمكنها من تغيير نظرة الشعب سلبًا لرفض هذه التعديلات الدستورية بل لقد أصبح رئيسها كمال كلجدار أوغلو أضحوكة أكثر من مرة بما تسبب به من مواقف ومقابلات وزلات لسان. فهو في إحدى المقابلات صرح برفضه للتعديلات الدستورية متحدثًا بلغة حزب العدالة والتنمية ذاكرًا الأسباب نفسها التي يتحدث بها رئيس الجمهورية. وهو ما ادى إلى دعوة رئيس الجمهورية له بقراءة المواد وفهمها قبل أن يتحدث. إذن، إن وجود معارضة ضعيفة أيضًا قد يكون سببًا كبيرًا في نجاح هذا الإستفتاء لخلو الساحة من معارض قوي ومؤثر.

إذن، وكجواب لسؤال محدد ما هي النسبة التي يمكن الحصول عليها في حال كانت الانتخابات هي يوم غد؟ لعله يكون مقاربًا لنسبة 53 في المئة كما كانت عليه في الأسبوع الماضي وكمعدل وسطي لما ذكرته شركات الإستطلاع المختلفة وهو رقم قابل للزيادة أو النقصان وبخاصة أن الشارع التركي فاجأ الجميع أكثر من مرة بنتائجه وانتخاباته.

ةلكي أعتمد الحيادية أكثر فيما أتحدث به من أرقام أذكر لكم بعضًا من نتائج شركات الاستطلاع على الشكل التالي:

شركة أي آر سي: أجرت هذه الشركة استطلاعًا على ثلاث مدن رئيسية كانت كالتالي:

- إسطنبول 55% نعم، و45% لا، بمشاركة 4500 مواطن.

- أنقرة 58,7% نعم، 41,3 لا، بمشاركة 2750 مواطن.

- إزمير 41,9% نعم، 58,9 لا، بمشاركة 2120 مواطن.

وتشير نفس الشركة إلى أن نسبة الشعب الذي لم يتخذ قراره بعد، تتجه نحو التصويت بنعم كما يبدو. كما أن  أصوات المغتربين قد تصل إلى نسبة 72% بعد المضايقات والتعديات الأوروبية التي تخطت المعقول لتصل إلى ما لا يمكن لأي تركي قومي القبول به أبدًا.

شركة كوندا: تظهر النتائج تقاربًا كبيرا بين الموافقة والرفض بما جعل أصحابها يؤكدون على وجود فرصة بغلبة الرفض على الإيجاب.

شركة أفراسيا: تتحدث عن نسبة 50.1% "لا" من أبناء حزب الحركة القومية، وعوّلت على ذلك بأن نسبة المصوتين من حزب الحركة القومية بـ"نعم" لن تتعدى 24.7% من مجموع ناخبيه. نفس الشركة تحدثت عن نسبة 51.1% "لا" في استطلاع لاحق. وبالنسبة للنتائج العامة تحدثت هذه الشركة عن نسبة 56.4% "لا".

شركة أندي-آر: تحدث رئيس هذه الشركة بأن نسبة التصويت بين نعم ولا ستكون متقاربة جدًا بفارق 2% فقط لصالح "نعم".

شركة أ&غ: تتحدث هذه الشركة عن نسبة 53% لصالح "نعم" مقابل 47% "لا". وتتوقع زيادة هذه النسبة إلى 60% في حال نجح حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في تغيير نسبة المعارضين لديهم. ويجدر الذكر أن هذه الشركة أعلنت عن نتيجة جديدة وصلت فيها نسبة "نعم" إلى 54%.

شركة غيزيجي: تتحدث هذه الشركة عن نسبة 58% "لا" ونسبة 42% "نعم". ويعلل رئيس هذه الشركة هذه النسبة بأن حوالي 20% من قاعدة حزب العدالة والتنمية غير مقتنعة بهذه التعديلات وأنها ستصوت بـ"لا". وفي استطلاع أحدث خفضت هذه الشركة نسبة "لا" إلى 51%. أي بنسبة انخفاض 7% عن الأستطلاع السابق. وأكدت في استطلاع لاحق أن نسبة "نعم" قد تتخطى 53.4% إذا كانت نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات مرتفعة.

شركة كونسينسوس: تحدثت الشركة عن نسبة 52% "نعم" ونسبة 48% "لا". وفي استطلاعها الأخير أصبحت هذه الأرقام هي 51.2% "لا" و48.8% "نعم".

شركة متروبول: في الاستطلاع الذي أجرته على المدن ذات الأكثرية الكردية تحدثت هذه الشركة عن نسبة 48% "لا"، ونسبة 30% "نعم"، وبقيت نسبة 22% ممتنعة عن التصريح برأيها. وهذا الاستطلاع يعتبر مهمًا لكونه يتحدث عن المناطق ذات الأكثرية الكردية بشكل خاص. وإن كانت نسبة 22% نسبة كبيرة قد تغير هذه النسب بشكل كبير...

شركة أنار: تتحدث هذه الشركة عن نسبة 30% من قاعدة حزب العدالة والتنمية غير مقتنعة بهذه التعديلات الدستورية إضافة لنسبة 35% من قاعدة حزب الحركة القومية أيضًا هي الأخرى غير مقتنعة برأي قيادتها. وطبعًا هذا الاستطلاع أيضًا يعبر عن المرحلة الأولى التي كانت قبل بداية الحملة الانتخابية الفعلية.

شركة سامر: هذه الشركة أيضًا حصرت استطلاعها في المناطق الجنوبية وتحدثت عن نسبة 57.8% "لا"، ونسبة 25.1% "نعم".

شركة دينغه: بحسب استطلاعها الذي أجرته في 22 آذار/ مارس من العام الحالي تحدثت الشركة عن نسبة 50-55% "نعم"، وأن هذه النسبة تظهر تغيرًا مستمرًا وإن كان التوجه العام يشير إلى رجاحة كفة الموافقة على هذه التعديلات الدستورية.

وأخيرًا، تبقى كل هذه الأرقام مجرد استطلاعات للرأي قد تصيب وقد تخطئ وسيستمر الرقم الحقيقي مجهولًا لما بعد 16 نيسان، اليوم الذي قد يغير تاريخ تركيا بشكل كامل...

عن الكاتب

د. وسيم بكراكي

كاتب لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس