برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

باتت الذكرى الرابعة للربيع العربي قاب قوسين أو أدنى. وقد أدى سقوط الطغاة في تونس ومصر إلى رفع سقف التوقّعات من قبل المراقبين الذين اعتقدوا أنّ الثورة ستبُثّ جهود الدّمقرطة إلى المنطقة. إلّا أنّ الانتكاسات في سوريا وليبيا حوّلت الرّبيع وبسرعة إلى شتاء. في حين مثّلت إزاحة محمد مرسي عن السلطة في نهاية تموز/ يوليو 2013 إنجازاً كبيراً للثورة المُضادّة المدعومة من قبل دول الخليج العربي.

تمثّل تونس والمغرب اليوم التّجربتين النّاجيتين الوحيدتين من الرّبيع العربي. تحاول تونس، الدّول التي فقد فيها العسكر نفوذهم بالكامل، أن تُسهّل تشارُك السّلطة بطريقة متوتّرة لكنّها سلميّة. وتلعب السياسات العقلانية لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي دوراً مهمّاً في الحفاظ على السلم الداخلي وصياغة دستور جديد قاد البلاد إلى انتخابات حرّة ثانية. وعلى عكس دول الخليج، اختارت المغرب الاستجابة لمطالب مواطنيها ونقل بعض سلطات الملك إلى البرلمان. وبالتّالي لم يتحوّل حراك المعارضة في 20 شباط/ فبراير 2011 إلى ثورة تسعى للقضاء على النظام الملكي.

على الرغم من افتقار المغرب إلى الموارد الاقتصادية الهائلة المتاحة لدول الخليج، إلا أنّ الملك محمد السادس تمكّن من الحفاظ على شرعيّته من خلال تنفيذ سياسة التغيير التدريجي. ولتحقيق ذلك وضع نفسه في موقع الحكم النزيه بين كل الأحزاب السياسية بما فيها حزب العدالة والتنمية PJD، الذي انتصر في انتخابات عام 2011 والشريك في غالبية الحكومة الحالية في البلاد. بعد نجاح الملك محمد السادس في موازنة التوترات الأيديولوجية بين الأحزاب اليسارية والليبرالية وحزب العدالة والتنمية الإسلامي من خلال وجوده، بات الآن الضّامن للتغيير التدريجي والتنمية في البلاد. وتحت هذه الظروف تتحرك المملكة المغربية نحو الانتخابات المحلية عام 2015 والسّباق البرلماني عام 2016. ويبدو أنّ المغرب، الذي يحتاج إلى إعادة توزيع الثروة لصالح الأقلّ حظاً، تعلّم ظاهرياً دروساً قيمة من فوضى ما بعد الربيع العربي والصراع في المنطقة.

نظّم مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية SETA منذ عدة أيام مؤتمراً تحت عنوان "السّعي لعقد اجتماعي جديد في شمال أفريقيا لمقارنة تجربتي تركيا والمغرب". وقد أسّس المؤتمر لتفسير مشترك للتطورات في تونس والمغرب وتركيا من شأنه أن يوفّر معلومات قيّمة. أولاً وقبل كلّ شيء، شهِدنا أنّ السلطات التونسيّة اتّبعت عن كثب جهود تركيا في التنمية والدمقرطة والعلمانية الجديدة. وعلى مرّ السنين، نجحت الدول الثلاث في مجال دمج الحركات الإسلامية في نظمها السياسية. في واقع الأمر، تنشط هذه الحركات في حكومات من حزب واحد، على سبيل المثال تركيا، وأيضاً في حكومات ائتلافية مثل تونس والمغرب. وقد مكّنت تجربة السلطة السياسية الحركات الإسلامية الفاعلة في تغيير العلاقة بين الدين والسياسة في الشرق الأوسط وبدأت نقاشاً إقليمياً حول "العلمانية الحقيقية" فيما يتعلق بسياسات الحركات الإسلامية في السلطة وأدائها في المعارضة. وهذه المرة لا تمثّل العلمانية مشروعاً قمعياً من أعلى إلى أسفل أو مشروعاً عميلاً للغرب، لكنّها تسهّل نقاشاً حول التنافس بين أساليب حياة مختلفة وتفسيرات للإسلام. وهذه مطالبة للاعبين السياسيين الشرعيين للانخراط والتغيير.

قضية أخرى مثيرة للاهتمام هي أنّ تركيا وتونس والمغرب تتّخذ خطوات لإنشاء عقد اجتماعي جديد - وإن كانت في مراحل مختلفة. كما تواجه تونس والمغرب، اللتان تمكّنتا من صياغة دساتير جديدة، تحدّياً يتمثّل في ترسيخ الديمقراطية وتحقيق التقدم الاقتصادي. في الوقت نفسه، على تركيا - الّتي يقدّم اقتصادها أداءً جيداً - أن تتجنّب فخّ الدخل المتوسط، وكما يقول رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: عليها أن تقفز قفزة أخرى إلى الأمام. الأهم من ذلك، يجب على السلطات التركية أن تُتِمّ العقد الاجتماعي الجديد الذي بدأ مع الانفتاح على العلويين والأكراد، من خلال الدستور الجديد. وباختصار، إنّ بناء شرق أوسط جديد يتطلّب إصراراً على السّماح لتجارب متعدّدة للديمقراطية بأن تتعايش وتتمأسس. نحن في تركيا الجديدة كذلك، بحاجة ماسّة للاستفادة من التجارب الجديدة في تونس وتركيا.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس