محمود الرنتيسي – خاص ترك برس

لا أبالغ إن قلت أن المسجد الأقصى يحتل مكانة لدى الشعب التركي أكثر من أي شعب غير عربي آخر, وأن  كثيرا من الأتراك يحملون في قلوبهم حبا وشوقا لفلسطين والمسجد الأقصى أكبر من أن يوصف, ويرجع ذلك إلى عدة أمور منها الإرث التاريخي للدولة العثمانية التي عاش المسجد الأقصى في كنفها قرابة 800 عام , ويرجع أيضا إلى ان الشعب التركي كشعب مسلم,  رافض للظلم بطبعه ويناصر القضايا العادلة في كل مكان وخاصة الإسلامية منها.

فبمجرد قيام سلطات الاحتلال الاسرائيلي الغاشم باقتحام ساحات المسجد الأقصى خلال الأسبوع الماضي  والاعتداء على المسجد والمصلين انطلقت مباشرة  فعاليات مختلفة في عدة مدن تركية مناهضة للعدوان الاسرائيلي, ونظمت مؤسسات مدنية مسيرات ووقفات احتجاج في معظم المدن التركية.

وعلى الصعيد الرسمي استنكرت الخارجية التركية بشدة منع المصلين من دخول المسجد الأقصى ودعت لوضع حد لانتهاك حرية العبادة, وقد أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو على أهمية المسجد الأقصى وأن تركيا ستكون إلى جانب فلسطين لو تخلى الجميع عنها.

وينظر الشعب الفلسطيني إلى القيادة التركية نظرة احترام, لمواقفها المشرفة, فالشعب الفلسطيني برغم جراحاته ومآسيه شعب واع يفهم حقائق السياسة وواقعها والموازين التي تحكمها, ويستطيع أن يحدد المشاعر الصادقة ويستطيع أن يفرق بين التصريحات الصادقة وتلك التي لا تهدف إلا لرفع العتب أو حفظ ما تبقى من ماء الوجه.

وفي سياق آخر نستطيع القول أن تركيا استطاعت أن تقف بذكاء بين الخلافات الفلسطينية الداخلية وبما يمليها عليها الواجب الأخلاقي ولم تتاجر بالخلاف الفلسطيني ويظهر هذا من مواقف تركيا تجاه السلطة الفلسطينية وحركة حماس, ومثال على هذا موقفين من رئيس الوزراء التركي حلال اتصالين هاتفيين مع الرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحماس, حيث يقول في الاتصال الأول  الرئيس الفلسطيني لرئيس الوزراء التركي

"لقد كنتم الوحيدين الموجودين بجانب فلسطين أثناء جلسة الأمم المتحدة التي اعترفت بها كدولة (مراقب) في ديسمبر/كانون الأول 2012"، موضحا أنه كان وزير الخارجية الوحيد الذي حظي بإلقاء كلمة في تلك المناسبة.

أما الموقف الآخر فقد ذكر أوغلو أن مشعل قال له في المكالمة الهاتفية إن تركيا هي الوحيدة التي وقفت بجانب غزة وهي تحترق في يناير/كانون الثاني 2009، وإن تركيا كانت مع الفلسطينيين في شوارع غزة في الوقت الذي كانت تمطر فيه إسرائيل قنابلها.

وأضاف أوغلو أنه رد على مشعل بالقول إن تركيا ستكون مع فلسطين وغزة والمسجد الأقصى إلى الأبد حتى لو انسحب الجميع، "سنكون المتحدثين باسم هذه القضية، والمتابعين لها".

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحظى بتأييد واسع في فلسطين فقد قال "إن الاعتداء على المسجد الأقصى يعتبر اعتداءً على مكة المكرّمة وإنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تنهي هذه الأفعال الشنيعة فوراً".

أما الذي يلفت الانتباه حقيقة فهو تصريحات وزيرشئون الاتحاد الأوروبي في تركيا فولكان بوزكير الذي تقع اهتماماته في الأصل في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلا ان الرجل لم يتجاهل ما يحدث في المسجد الأقصى قائلا "أوجّه رسالة إلى هؤلاء الجنود الإسرائيليّين وأقول لهم إن لم تخرجوا على الفور من حرم المسجد الأقصى الذي دنّستموه بأحذيتكم، فإنّنا سنخرجكم منه وسنحمّلكم أحذيتكم على أيديكم".

كما جاءت تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش من القوة بمكان إذ قال ليست أحذية الجنود الاسرائليين الذي دخلوا المسجد الأأقصى قذرة فحسب بل إن عقولهم قذرة أيضا.

لم تغب قضية القدس والمسجد الأقصى عن تصريحات المسئولين الأتراك بالرغم من ثقل وتشعب القضايا التي تواحهها تركيا خصوصا هذه الأيام وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على مكانة القدس وفلسطين لدى الشعب والحكومة التركية.

يجادل البعض بأن تركيا فقط تقوم بالتصريحات فيما يتعلق بفلسطين والمسجد الأقصى, ومع أن هذا حديث عار عن الصحة إلا أن تركيا   التي سالت دماء أبنائها في سفينة مرمرة يوم جاءوا لفك الحصار عن غزة تبقى أفضل من أولئك الصامتين والمتفرجين على الجرائم الاسرائيلية, كما أن تركيا لا تحارب المقاومة الفلسطينية ولا تحاصرها ولا تقوم بتشويهها بل تدافع عنها في المحافل الدولية, وتقوم بواجبها نحو فك حصار الشعب الفلسطيني.

كفلسطينيين فأننا نقدر الموقف التركي الشعبي والرسمي وندعو تركيا بالرغم من كثافة وثقل المهمات على عاتقها إلى الوقوف دائما معنا ومع حقوقنا في وقت تخلى فيه عنا كثيرون وإننا نطمح من تركيا كدولة وكشعب أكثر من ذلك في قابل الأيام .

كما ينبغي أن تنسق السلطة الفلسطينية مع تركيا و كافة الدول المساندة لفلسطين في ملاحقة اسرائيل قانونيا واتخاذ اجراءات دولية لردعها عن اعتداءاتها وسياستها الاحتلالية.

نعم تحدثت تركيا باسم فلسطين وباسم القدس وباسم المسجد الأقصى ولم تسمح لاسرائيل أن تمضي جرائمها براحة تامة وسط صمت دولي رهيب, فهذا الموقف سوف يبقى في تاريخ المنطقة وفي وعي شعوبها وستثبت الأيام أن من يقف مع القدس والمسجد الأقصى مدافعا ومساندا بفهم وذكاء وقوة سيكون الرابح لا محالة عاجلا أم آجلا.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس