د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

بعد أشهر من النقاش والاصطفاف وحملات الدعاية وتوتر العلاقة مع دول الغرب اختار الشعب التركي نظامه الرئاسي الجديد ولكن بنسبة لم ترض أيًا من الطرفين المتنافسين.

فازت الحزمة الدستورية بـ51.4% من الأصوات بينما رفضها 48.6% من الناخبين.

نسبة المشاركة المرتفعة بالاستفتاء بلغت 87% وتجاوزت في بعض المناطق 91%، وهذا مؤشر على اهتمام المواطن التركي واحترامه لصندق الاقتراع.

مفاجآت كثيرة ودروس وعبر حملها الاستفتاء في نتائجه.

فوز للعدالة والتنمية لكنه فوز بطعم الخسارة.

وخسارة للمعارضة لكنها خسارة بطعم الفوز.

وفوز لتركيا وللشعب التركي وثقة للاستفتاء وللنظام الرئاسي لكنها ثقة مشروطة مترددة حذرة...

وخسارة للاتفاق مع الحركة القومية، الخاسر الأول في هذا الاستفتاء والهزات الارتدادية ستبدأ بالحركة من جديد...

فوز للديمقراطية التركية ومؤشر على نضوج الناخب التركي رغم كل الاصطفاف والحملات الدعائية من الطرفين...

خسارة الحزب الحاكم للتصويت لأول مرة بالمدن الكبرى وخاصة إسطنبول وأنقرة بالأضافة لأضنة وإزمير وأنطاليا وغالبية المدن ذات الثقل الاقتصادي ومراكز الجامعات، أفسدت طعم الفوز وجعلت الكثيرين يتوقفون عند هذه النتائج. ومؤشر على فشل وتراخي كوادر الحزب في هذه المدن رغم الكرت الأصفر ودرس انتخابات حزيران/ يونيو الماضية...

استنفار أعضاء العدالة والتنمية التركي في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية وظهور أعضاء الحرس القديم من كوادر العدالة والتنمية أمثال رئيس الوزراء السابق أحمد داوودأوغلو وعلي باباجان وجميل جيجيك، كان مؤشرًا على خطورة الموقف وضرورة التحرك لتلافي الأمر.

استطلاعات الرأي في إسطنبول هي الأخرى كانت تدق نواقيس الخطر، مما استدعى عودة الرئيس أردوغان لها باليوم الأخير من جديد وتكثيف الحملة الانتخابية غالبية المناطق الكبرى من إسطنبول.

خسارة العدالة والتنمية المدن ذات التوجه القومي رغم مشاركته مع الحركة القومية، أكبر دليل على أن هذه العلاقة التآزرية لم تجلب أي فائدة حتى في المدن التي تعتبر قلاع الحركة القومية وأضنة والعثمانية مثلًا. وهذا مؤشر على عدم متانة هذه الشراكة وعدم الثقة بها وعدم قدرة رئيس الحركة القومية بهجلي بأقناع كوادره الحزبية بهذه الشراكة والمؤآزرة...

لكن رغم كل هذه الخسارات والسلبيات يعتبر هذا الفوز بهذه النسبة أمرا لايستهان به ،أولا بسبب الاصطفاف والانقسام في المجتمع عادة اثناء الاستفتاءات على عكس الانتخابات، وثانيًا لأن تغيير الموجود وما اعتاد عليه الناس ليس بالأمر السهل، لأنه سيواجه مقاومة التغيير الرفض من قبل الكثيرين، وخاصة عندما يكون هذا التغيير يمس نظام الحكم وشكل الإدارة وحياة الناس ومستقبلهم.

إقناع الناس بالتخلي عن نظام اعتادوا عليه وطالما افتخروا بأنهم ينتسبون لنظام ديمقراطي برلماني يعتبر مقياسًا للتقدم والمدنية والانتقال لنظام مجهول تحفه المخاطر يعتبر نجاحا بحد ذاته، وتزاد أهمية هذا النجاح إذا علمنا أن استطلاعات الرأي قبل عامين فقط، كانت تشير إلى نسبة رافضة للنظام الرئاسي تصل لـ65-70% من المواطنيين الأتراك.

بالنسبة للمعارضة تعتبر هذه النتيجة ربما هي الفوز الأول وخاصة لحزب الشعب الجمهوري رغم خسارته، حصوله على هذه النسبة رغم تحمله حملة المعارضة لوحده، تعتبر مؤشر على استطاعته اقناع نصف المجتمع باعتراضاته وانتقاداته للحزمة الدستورية. وهذه النتيجة ربما اعادت الثقة للمعارضة ولقياداتها وضمنت لكليجدارأوغلو البقاء في كرسي رئاسة الحزب لفترة قادمة.

الأكراد وكما كتبت قبل يومين هم قبضة القبان في هذا الاستفتاء وهم الذين عدَّلوا النتيجة ،رغم مشاركة العدالة والتنمية مع الحركة القومية وتبنيه شعارات قومية أزعجت الكثيرن من الناخبين الأكراد... زيادة لأصوات المؤيدة للاستفتاء بنسبة لاتقل عن عشرة بالمئة رغم كل السلبيات في جنوب شرق تركية كانت المفاجئة الكبرى لهذا الاستفتاء...

وهذه الأصوات كلها لمكانة أردوغان عندهم وثقتهم به وقناعتهم بأنه الشخص الوحيد المعول عليه لحل القضية الكردية.

كثيرة هي النقاط التي يجب التوقف عندها وستكون محل تقييم وتحليل كثير من الكتاب والمتابعين.

وكثيرة هي الدروس والعبر التي سيتوقف عندها قادة الأحزاب والمعنيين...

هذه النتائج سيكون لها انعكاسات كبيرة على كل المستويات... على العدالة والتنمية والمعارضىة بدون استثناء.

وحتى الانتخابات المبكرة ليست مستبعدة من هذه المضاعفات...

لكن الحقيقة التي لاتقبل نقاش هي أن تركيا اليوم قد انتقلت الى نظام رئاسي وكل النقاشات بعد اليوم ستدور حول هذه الحقيقة...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس