متين غورجان - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس

فى يوم الأحد الماضي صوت 58 مليون شخص فى تركيا فى استفتاء لتغيير نظام الحكم في البلاد.

ووفقا للنتائج الرسمية فإن مؤيدي التغييرات الدستورية لتوسيع صلاحيات الرئاسة الرئاسية فى تركيا فازوا في التصويت التاريخي بنسبة 51.3 في المائة مقابل معارضة 48.7 فى المائة. وفى يوم الاثنين، أعلن الرئيس، رجب طيب أردوغان، الذي كان يدافع منذ مدة طويلة عن التصويت بنعم، فوزه فى خطاب عاطفي ألقاه  فى أنقرة.

وبقدر ما سيشكل هذا الاستفتاء السياسة الداخلية التركية في السنوات المقبلة، فسيكون له أيضا تأثير كبير على علاقاتها الخارجية. فما الذي يمكن أن نتوقعه من سياسات أنقرة الخارجية بعد الاستفتاء؟

استمرار التوتر مع أوروبا

على مدى العام الماضي، تدهورت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي تدريجيا، وكانت الأزمة المستمرة في العلاقات هي إحدى الآثار الجانبية لاتجاه الحكومة التركية إلى استخدام السياسة الخارجية أداة للنجاح في السياسة الداخلية.

في خطابه بعد الاستفتاء قال أردوغان إن حملة "نعم" فازت على الرغم من تعرضها لهجمات "العقلية الصليبية" في الغرب و "عبيد هذه العقلية داخل تركيا"، الأمر الذي يوضح أنه لا يتردد في استخدام التصعيد مع الاتحاد الأوروبي للحصول على الدعم المحلي لسياساته في المستقبل.

وفى كلمته فى أنقرة يوم الاثنين كرر أردوغان أن تركيا سوف تنظر فى إعادة عقوبة الإعدام، على الرغم من أنه يعلم أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى إنهاء مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي بنجاح.

وفي ظل هذه الظروف من المنطقي أن نتوقع من تركيا أن تواصل اتباع سياسة خارجية قوية تجاه حلفائها الأوروبيين في الناتو.

وقد اقتصرت الأزمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عند هذه النقطة على التصريحات، لكن بعد الاستفتاء، يمكننا أن نتوقع صدامات قانونية ومؤسساتية أعمق بين الاثنين.

وفي أعقاب نتيجة الاستفتاء، ستعمل تركيا على تحويل علاقتها مع الاتحاد الأوروبي التي أُضفي عليها  الطابع المؤسسي، نتيجة  لقبول  الاتحاد الأوروبي ترشيح  تركيا منذ عقود طويلة من الزمن، إلى ما يشبه الصفقة.

وستبقى تركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي في المستقبل المنظور وستستمر التجارة بين الطرفين، ولكن علاقتها ستقتصر على الأعمال التجارية.

لن تؤثر الأزمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على حلف شمال الأطلسي،  في الوقت الراهن على الأقل؛ لأن الولايات المتحدة أوضحت أخيرا أنها غير مستعدة بعد للتخلص من هذا الحلف.

ما هي خطوات تركيا التالية في الشرق الأوسط

قبل الاستفتاء، كانت التوقعات لمستقبل موقف تركيا في الشرق الأوسط سلبية في معظمها. ففي سوريا كانت تركيا عالقة بين روسيا والولايات المتحدة، وأخفقت فى تشكيل تحالف قوى مع الإدارة الأمريكية الجديدة وإقناع دونالد ترامب بدعم مصالح تركيا فى المنطقة. كما أن المصالحة المشهورة بين تركيا وروسيا لم ترق إلى مستوى توقعات أنقرة، إذ لم تغير موسكو استراتيجيتها في سوريا لاستيعاب مصالح تركيا.

ما تزال كل من الولايات المتحدة وروسيا تدعمان الجماعات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في الحرب ضد تنظيم داعش في سوريا، على الرغم من أن تركيا أكدت مرارا وتكرارا أنها تعد هذه المسألة خطا أحمر.

وفي العراق، تواجه تركيا أيضا مشاكل بسبب المواجهة بين حكومة إقليم كردستان، حليفة تركيا، والجماعات التركمانية التي كانت تحت الحماية التركية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل ستساعد نتيجة الاستفتاء تركيا على الخروج من مستنقع السياسة الخارجية هذا؟

ترسل الولايات المتحدة، كما جرت عادتها، رسائل متباينة حول استفتاء تركيا الدستوري؛ إذ هنأ الرئيس دونالد ترامب، الرئيس التركي أردوغان على فوزه فى الاستفتاء فى مكالمة هاتفية، بينما قال سكرتيره الصحفي، شون سبايسر، إن الولايات المتحدة لن تعلق على نتيجة الاستفتاء "حتى تنشر لجنة دولية تقريرها حول عملية الاستفتاء خلال الأيام العشرة القادمة.

يمكن النظر إلى التناقض بين تهنئة  ترامب وتصريح سبايسر حول نتيجة استفتاء تركيا  على أنه مؤشر آخر لعدم وجود استراتيجية لدى الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي. في رأيي أن ترامب حريص على تمكين أردوغان وإضفاء الشرعية على ولايته الجديدة، في حين أن المؤسسة الأمريكية متشككة وحذرة إزاء التغييرات التي تحدث في تركيا.  لا نعرف أي طرف سيهيمن في النهاية؛ ولذلك فما زلنا لا نعرف ماذا تتضمن أوراق علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، وما إذا كانت نتيجة الاستفتاء ستؤثر في وجهة نظر الولايات المتحدة تجاه تركيا.

من ناحية أخرى من الممكن أن تساعد نتيجة الاستفتاء على تقوية علاقات تركيا مع روسيا. وقد يشكل بوتين وأردوغان نوعا من "الأخوة القوية" ، ويشكلان جبهة موحدة ضد الانتقادات الغربية فيما يتعلق بسياساتهما الداخلية والخارجية.

كما أن قرار ترامب بقصف قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا ردا على الهجوم الكيمياوي على  مدينة خان شيخون، وموقفه الأخير بشأن مستقبل بشار الأسد في سوريا، قد أقلق روسيا بلا شك، وقد يدفع موسكو إلى السعي إلى علاقة أقوى مع تركيا في المنطقة.

سيكون من التفاؤل أن نتوقع أن ينهي هذا الاستفتاء الشكوك الدبلوماسية بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بسوريا،  لكن يمكن القول إن بوتين سيكون أكثر اهتماما بإقامة علاقة أقوى مع أنقرة.

تدخل عسكري تركي جديد

فى يوم الاثنين أشار أردوغان إلى أن تركيا قد تشرع قريبا فى عملية جديدة عبر الحدود ، حين قال إن درع الفرات لن تكون آخر عملية لتركيا  فى المنطقة. ولم يحدد الرئيس إطارا زمنيا أو مكان العملية المقبلة.

لم ينخفض الدعم الشعبي لعملية درع الفرات التي بدأت في شمال سوريا في 26 أغسطس / آب عن 75 في المئة حتى نهاية العملية في الشهر الماضي. وهذا يعني أن غالبية الشعب التركي سوف تدعم عملية أخرى عبر الحدود ، لاسيما إذا كانت  هذه العملية ضد حزب العمال الكردستاني أو ميليشيا كردية تابعة له.

ومن المرجح جدا أن يخطط أردوغان لعملية عسكرية أخرى نظرا للنجاح المحلي لدرع الفرات لحشد الدعم لسياساته الداخلية.

هناك أربعة أهداف محتملة لهذه العملية: المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، والمنطقة الشرقية لنهر الفرات، وسنجار، أو شمال العراق.

وتقع المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات تحت السيطرة الروسية، ومن غير المرجح أن تسمح روسيا لتركيا بالتحرك بحرية، حتى لو قررت الدولتان توثيق علاقاتهما بعد نتيجة الاستفتاء.

ومن ناحية أخرى، تقع منطقة  شرق نهر الفرات تحت سيطرة الولايات المتحدة التي تستعد في الوقت الحالي لعملية الرقة القادمة، ومن غير المحتمل أن تسمح لتركيا بأن تأتي وتزعزع التوازن في هذه المنطقة.

لذلك فإن الواقع على الأرض يفرض أنه في حال شروع تركيا في عملية جديدة عبر الحدود في المستقبل القريب، فإن هدفها سيكون العراق. تعد منطقة سنجار في العراق ذات أهمية استراتيجية بارزة،ولذا ترغب تركيا في السيطرة عليها. وإذا استهدفت تركيا  هذه المنطقة التي  تعد جسرا طبيعيا بين العراق وسوريا، فإن ذلك سيتيح لها الفرصة لتكون مؤثرة في كل من عمليتي الرقة والموصل.على أن الولايات المتحدة تريد أن تسيطر على نتائج هاتين العمليتين، لذلك فمن المستبعد جدا أن تمنح أردوغان موافقتها على عملية سنجار.

على أن هناك منطقة أخرى  في العراق  يمكن لتركيا أن تعمل فيها دون إزعاج الولايات المتحدة أو روسيا، وهي المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مثل ميتينا وأفاسين باسيان وهاكورك بالقرب من الحدود التركية. وإذا تمكنت تركيا من حل مشاكلها بشأن كركوك مع الزعيم الكردي مسعود بارزانى بسرعة، فإنها يمكن أن تشن عملية قوية فى شمال العراق ضد أهداف حزب العمال الكردستاني فى الشهر القادم.

وسواء قررت تركيا الشروع في عملية جديدة عبر الحدود أم لا، فإننا على يقين  من أنها ستظل لاعبا نشطا في المنطقة في فترة ما بعد الاستفتاء.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس