عمار الكاغدي - خاص ترك برس

بنشوة بالغة وبسعادةٍ احتفاليّة لا تدرك لها سبباً تتبادل بعض الأنظمة العربية التّبريكات مع رأس النّظام السوري بمناسبة ذكرى الجلاء، وسماءُ الجغرافية العربيّة ما تزال متلبّدة بالسّحابة الكيماويّة الآثمة، في حين أنّ الفريق الفائز في الاستفتاء التّركي الأخير لم يسمح لنفسه أن تأخذه نشوة الانتصار بأن يداهن ويلاطف الأوربيين خصوم أمسِ ما قبل الاستفتاء ، بل إنّ فاتحة مقابلات السّيد أردوغان مع وسائل الإعلام عقب الإعلان عن النتائج أسفرت عن استمرارٍ ربّما كان مقصوداً في التّصعيد السّياسي القائم أصلاً بين تركيا وبعض الدول الغربية المؤثّرة بالذّات، فلماذا والفرصة قد تكون الآنَ مواتية أكثر من أي وقتٍ لتلطيف الأجواء؟، وبالأخصّ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ النتائج _بالرّغم من التصريحات الصّادرة هنا وهناك_ قد تجرّعها المَوْتُورُونَ على غصّتها سواء مع زجاجة بيبسي أو كوكا كولا!

يكمن الجواب ببساطة في المقولة المعروفة: (من يصنع نصف ثورة فقد حفر قبره بيديه)، ولم يَعد سرّاً بعد الآن أن المسار الذي يخطّه السّيد أردوغان هو مسار ثوري لمن عرف تركيا وماضيها القريب، وأنّ هذا المسار غير مكتمل بعد.

فإنْ كان لِلُغة القوّة المتمثّلة بالسّلاح الانقلابي بقعقعته دورٌ مرصودٌ فقد فشل في أداءه حينها، ولكنّ الحرب الباقية من الآن وحتّى أجلٍ غير مسمّى بين تركيا وخصومها الأوربيين خصوصاً ستكون سياسيةً بامتياز وستتضمن فيما ستتضمّن رفع الأصوات وعضّ الأصابع، وأيُّ هوادةٍ فيها ستعطي الطّرف الآخر انطباعاً بالضّعف والتّراخي، والنقطة الأهمّ هنا أنّ خصوم تركيا قد استنفدوا جميع خياراتهم إلا السّياسيّة منها، فالتّصعيد السّياسيّ إذاً مطلوب.

جانبٌ آخر يمكن قراءته من التّصعيد التّركي مع أوربا إذا ما ربطناه باللقاء المرتقب 17مايو القادم بين الرئيسين أردوغان وترامب في واشنطن، حيث يمكن أن تعتبر تصريحات أردوغان المتلاحقة حول أخطاء أوربا بحق تركيا بمثابة (صَيْحَة البحث) عن حليف جادّ وقوي كالولايات المتّحدة بإدارتها الجديدة لاختبار الحدود القصوى المرجوّة من التّعاون الأمريكي في الملفّات التي باتت تؤرّق الطّرفين.

  وبالعودة إلى المفارقة التي افتتحت بها المقال فقد يجري على الأنظمة والدّول ما يَجري على الأفراد ومن ذلك قول الشّاعر:

 ذو العَقلِ يشقَى في النّعيمِ بعقلِه               وأخو الجَهَالةِ في الشقَاوةِ ينْعَمُ

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس