محمود عثمان - خاص ترك برس

لا تزال رياح الاستفتاء الشعبي الذي أجري في السادس عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي، تعصف بالأحزاب السياسية , وتهز بنيانها من القواعد . قد يكون من الطبيعي أن ينال حزب المعارضة الأم، حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليجدار أوغلو، الحظ الأوفر من ارتدادات نتائج عملية الاستفتاء الشعبي. لأنه بقيادة كليجدار أوغلو يكون قد خسر ثامن جولة انتخابية يخوضها ضد حزب العدالة والتنمية. تركيبة الحزب ومعادلة التوازنات المعقدة داخله، تجعله مفتوحا، أكثر من غيره، على تطورات ساخنة بدأت إرهاصاتها مبكرا.

عودة الرئيس أردوغان لرئاسة حزب العدالة والتنمية، سرًعت التفاعلات وحركت الصراعات داخل أحزاب المعارضة. وخصوصا حزب الشعب الجمهوري، الذي اضطر للتحول من وضعية الهجوم إلى حالة الدفاع. فمنذ الإعلان عن نتيجة الاستفتاء لجهة "نعم" سارع حزب الشعب الجمهوري إلى التشكيك بنزاهة عملية الاقتراع، وبدأ برفع الدعاوى الواحدة تلو الأخرى، لدى المحاكم المختصة وغير المختصة، بهدف تعكير الأجواء وزعزعة الثقة بالنتائج، بالرغم من أن حكم الهيئة العليا للانتخابات قطعي ونهائي، ولا يمكن دستوريا الطعن فيه. لذلك قوبلت جميع تلك الدعاوى برفض النظر فيها أساسا.

حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهته، لم يلتفت إلى محاولات التعطيل التي يبذلها حزب الشعب الجمهوري، وبعض الجهات المعارضة، في الوقت الضائع، بل بدأ باتخاذ الخطوات العملية التي تتساوق مع عملية التحول نحو النظام الرئاسي الذي تم إقراره من خلال الاستفتاء الشعبي.

إعلان كمال كليجدار عن عدم رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها عام 2019، زاد الأجواء سخونة داخل الحزب، ليتحرك على إثره الرئيس السابق دنيز بايكال، الذي خاطب رئيس الحزب قائلا: "أعلن ترشحك لانتخابات 2019 أو انسحب من رئاسة الحزب".

الرئيس السابق دنيز بايكال لم يفوق الفرصة من أجل رد الاعتبار لنفسه، وأخذ الثأر ممن أطاحوا به وأنزلوه عن رئاسة الحزب من خلال عملية غير سياسية، ونصبوا مكانه كمال كليجدار أوغلو عقب فضيحة جنسية مدبرة مسبقا لهذا الغرض.

في خطوة من الواضح أنها تهدف إلى خلط الأوراق أكثر، صرح دنيز بايكال بأن المعارضة يمكن أن تتفق على الرئيس السابق عبد الله غل مرشحًا مشتركًا تجمع عليه المعارضة مقابل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان. الرئيس غل نفى علمه بهذه الترشيحات ورفضه لها، وأكد على عمق ارتباطه بحزب العدالة والتنمية.

المعارضة بدخولها المبكر في أجواء الترشيحات والأسماء، تكون قد سجلت هدفاً في مرماها. لأنها اعترفت ضمنيا بنتيجة الانتخابات وبالنظام الرئاسي، وها هي قد بدأت بالعمل من خلاله. وهي التي كانت حتى البارحة تشكك بنتائجه.

بالعودة إلى التفاعلات داخل حزب الشعب الجمهوري، نلاحظ عدة تيارات تتصارع داخل الحزب أبرزها:

تيار كمال كليجدار أوغلو

وصول كمال كليجدار أوغلو إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري، لم تكن عملية اعتيادية من خلال استحقاق انتخابي. إنما تمت بتدخل قوى داخلية، ودول خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فقد ذكر نائب رئيس الحزب سابقًا  "أونور أويمان"، بأن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عندما زارت تركيا عام 2009، وأثناء لقائها بقيادة الحزب، سألتهم عن إمكانية مجيء كمال كليجدار أوغلو عوضا عن دنيز بايكال، ومدى تقبل الحزب لهذا التغيير!.

في معادلة توازن القوى داخل الحزب، فإن كمال كليجدار أوغلو هو المسيطر على الحزب حاليا، حيث يملك غالبية الأعضاء. لكن الاخفاقات المتكررة، وخسارته أمام حزب العدالة والتنمية في جميع الاستحقاقات الانتخابية، وعجزه حتى زيادة نسبة مؤيديه في الانتخابات، جعلت قطاعا كبيرا داخل الحزب يحمل راية التذمر والعصيان.

تيار دنيز بايكال

أدت التصريحات التي أدلى بها زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق "دنيز بايكال" إلى عواصف داخل الحزب، وذلك عندما طالب الزعيم الحالي كمال كليجدار أوغلو "إما بإعلان نفسه مرشحا للرئاسة عام 2019، أو التنحي من الآن عن الزعامة، لاختيار زعيم يعتزم الترشح للرئاسة، والعمل والاستعداد من الآن لتلك الانتخابات". ما يدل على أن بايكال ما زال مصمما على رد الاعتبار لنفسه، وهو مستعد من أجل ذلك لخوض معركة رئاسة الحزب مرة أخرى. لكن أسلوبه في القيادة، وطريقته في التحزب والتكتلات تثير مخاوف كثيرين داخل الحزب. كما أن افتقار تاريخه السياسي الطويل إلى نجاح مميز يقلل من حظوظه في سباق رئاسة الحزب.

تيار فكري صاغلار

في مقابلة صحفية مع جريدة "أكشام"، أعلن فكري صاغلار الوزير السابق ونائب مدينة مرسين عن استعداده لتحمل المسؤولية في قيادة الحزب. لكن رئاسة الحزب ردت عليه بسوقه إلى لجنة التأديب. إحالة فكري صاغلار إلى لجنة التأديب رسالة واضحة من رئيس الحزب كليجدار أوغلو بأنه لن يتسامح مع المعارضين له داخل الحزب. كليجدار أوغلو أضاف بصريح العبارة: "سوف أضعهم خارج الباب". تهديد واضح لجميع المعارضين بطردهم من صفوف الحزب. لكن هذا التهديد قوبل بردة فعل عكسية، كان أبرزها استقالة الناطقة الرسمية باس الحزب " سالين صوياك بوكا"، ومعارضة غالبية أعضاء إدارة الحزب لفصل صاغلار من الحزب.

تيار محرم إنجا

"محرم إنجا" نائب مدينة يلوه في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، هو أيضا طالب بعقد مؤتمر استثنائي للحزب، لإجراء تغييرات في قيادة الحزب. محرم إنجا كان قد خاض معركة الرئاسة ضد الرئيس الحالي كليجدار أوغلو في الانتخابات الماضية.

تيار SHP

حزب SHP كان تجمعا لعدة تيارات يسارية واستطاع الوصول إلى السلطة في التسعينات من القرن الماضي. ويعتبره كثير من اليساريين تجربة رائدة في التحالفات السياسية. لكن مع ارتفاع وتيرة الاستقطاب السياسي، وفشل الحكومات الائتلافية جعل هذا الحزب يتلاشى وينخرط ضمن صفوف حزب الشعب الجمهوري.

مرحلة ما بعد استفتاء 16 نيسان لن تكون كما قبله، وانعكاساتها على الحياة السياسية بدأت تظهر على شكل مطالبات في التغيير داخل صفوف أحزاب المعارضة. الأمر نفسه ينسحب على الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، مما جعل الرئيس أردوغان يسرع في الامساك بزمام الأمور داخل الحزب، استعدادا لاستحقاق 2019 المصيري.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس