ترك برس

تباينت آراء وتحليلات الخبراء والباحثين السياسيين حول خيارات تركيا للتعامل مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية، بمواصلة دعمها العسكري المباشر لميليشيات "حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي)" التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لمنظمة "حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)" المصنفة في قائمة الإرهاب.

الكاتب والباحث المتخصص في العلاقات الدولية "علي حسين باكير"، رأى أنّ مواصلة دعم واشنطن لميليشيّات (بي واي دي) الكردية ستضع تركيا من جديد في موقف صعب وحرج للغاية، لا سيما أنّ المسألة لا تشكّل خطراً تكتيكياً أو مؤقتاً كما يتصوّر البعض، وإنما تهديداً حقيقياً واستراتيجياً للأمن القومي التركي ولمُستقبل سوريا كذلك.

واعتبر باكير، في تحليل له بجريدة القبس الكويتية، أن أمام هذا الواقع، على المسؤولين الأتراك أن يعيدوا حساباتهم من جديد، وأن يدرِسوا خياراتهم بشكل جيّد وواقعِي بعيداً عن التصريحات الإعلامية التي غالباً ما تستهدف سقفاً عالياً ثم يتبيّن أنّه لا توجد مقوّمات أو أدوات لفرضه.

وأشار إلى وجود ثلاثة خيارات تركيّة للتعامل مع الوضع الراهن، يتمثل أولها في القبول بالأمر الواقع ومحاولة الحصول على بعض المكاسب المحدودة، من قبيل الاعتماد على وعود الجانب الأميركي باحتواء الميليشيات الكردية بعد معركة الرقة ودعوتها إلى الخروج من المناطق التي احتلتها وستحتّلها.

لكن المشكلة في هذا الخيار، وفقًا لباكِير، هي أنّ الولايات المتّحدة حليف غير موثوق، ولا يتمتع بالمصداقية اللازمة أيضاً للتعويل على كلامه، وهذا ما أثبتته تجربة السنوات الماضية، حيث لم يوف الجانب الأميركي بأيّ من وعوده ليس لتركيا فقط وإنما لأي من حلفائه الإقليميين.

وأوضح باكير أن الخيار الثاني هو محاولة الالتحاق بالعملية التي يقودها الأميركان عبر ميليشيات (بي واي دي) لدخول الرقة، من دون التخلي عن المعارضة العلنية لاشتراك الميليشيات الكردية. بمعنى آخر، إذا تبيّن للجانب التركي أنّ اعتراضاته المتكررة لا تنفع، وأنّه قد استنفد كل الأدوات الدبلوماسية والسياسية اللازمة لإقناع الجانب الأميركي بالعدول عن موقفه.

وإذا لم تكن السلطات التركية تمتلك بعد كل ذلك ما من شأنه إيقاف/عرقلة/ أو تعطيل هذا الأمر الذي سيجري معها أو من دونها، فسيكون من الأجدر على الجانب التركي الالتحاق بعملية الرقة، ولكن لتحقيق أهدافه الخاصة من خلالها وكي لا يتم عزله ويصبح خارج الطاولة لاحقاً.

أمّا الخيار الثالث، وفق باكير، فهو التحضير لإطلاق عمليات عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، على أن يتم إطلاقها بالتزامن مع تغوّل الميليشيات الكرديّة في عملية الرقة، بعيداً عن الحدود المشتركة مع تركيا.

وقال باكير إن هذا الخيار يعتمد على قيام قوات تركيّة بالهجوم مباشرة أو بإسناد المهمة إلى فصائل من المعارضة السورية، على أن يتم دعمها وتمكينها بشكل جيّد، لكن هذا الخيار لن يكون سهلاً بطبيعة الحال، وقد يثبت أنّه مرتفع التكلفة أيضا على الجانب التركي سياسيا وماليًا وبشريا.

وأكّد أن الأمر سيحتَاج إلى أعداد غير قليلة من المقاتلين المدربين والمجهّزين، وربما يؤدي هذا المسار أيضا إلى تعطيل عملية الرقة أو التشويش عليها، لكنّه سيكون ضرورياً إذا ما كانت تركيا تريد فعلاً التصدي للميليشيات الكردية قبل أن يستفحل وضعها.

وسط تصاعد الغضب التركي إزاء القرار الأمريكي بتزويد "قوات سوريا الديمقراطية" بأسلحة ثقيلة، بادر وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، لطمأنة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم.

وصرح ماتيس بأن واشنطن ملتزمة بحماية تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، لكن محللين قالوا إن هذه التطمينات "غير كافية"، ولا ترقى إلى حجم الخطر الذي قد يشكله القرار على دول المنطقة خاصة تركيا.

ونقل موقع "عَربي21"، عن المحلل السياسي المختص في الشأن التركي معين نعيم، قوله إن تطمينات ماتيس لتركيا بشأن تسليح "قوات سوريا الديمقراطية"، لن تلقى صدى في تركيا، ووصفها بـ"غير الكافية".

وقال نعيم: "تركيا تعتبر التسليح تهديدا مباشرا لأمنها القومي، ويهدد سلامة حدودها، خاصة وأن نوعيته هذه المرة تختلف عن سابقاتها، حيث زودتهم واشنطن بمضادات للطائرات، وهو ما تخشاه تركيا، خاصة أن تنظيم الدولة لا يملك طائرات تستدعي سلاحا استراتيجيا".

وعن الخيارات المتاحة أمام تركيا إزاء هذا التطور قال نعيم: "لا أعتقد أن تركيا تملك الكثير من الخيارات سوى مواصلة التهديد، واستخدام مصالحها المشتركة مع واشنطن للتخفيف من حجم التسليح أو عالأقل منع تسليح هذه القوات بنوعيات معينة من الأسلحة، كمضادات الطائرات أو الدّروع".

وذهب نعيم بعيدا لتفسير ما يجري حينما قال: "واضِح أنّ واشنطن تسعى لصناعة هالة كبيرة حول قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب التي يشكلها الانفصاليّون الأكراد، في هدف نهائي يرمي إلى تكوين كيان منفصل في شمال سوريا، خاصة في ظل تحالف وتداخل هذه المكونات مع حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل في تركيا".

بدوره، رأى المحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا أن غياب الثقة بين أنقرة وواشنطن تجعل من تطمينات ماتيس غير ذات قيمة، وقال "تركيا لا تثق في وعود أمريكا، لأن التجربة لا تعطي أي مجال للثقة"، وتابع:  "واشنطن وعدت سابقا بانسحاب المليشيات الكردية من مدينة منبج بعد سيطرتها عليها، ولكن ذلك لم يحدث".

ولم يستبعد المحلل السياسي أن تقدم تركيا على تنفيذ عملية واسعة ضد هذه المليشيات في شمال سوريا، بهدف الحد من خطرها، مشيرا في ذات الوقت إلى أن تركيا لديها خيارات كثيرة للتعامل مع التطورات الحاصلة في شمال سوريا، لافتا إلى أن تركيا تمارس حاليا سياسة ضبط النفس وتعطي فرصة للجهود الدبلوماسية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!