هلال قبلان - يني شفق

يستمر رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" بجهوده في تقوية الروابط وتطمين العلويين، ومن المتوقع أن تكون الخطوة المقبلة له هي معابد العلويين ومن بعدها ستكون منطقة "درسيم" (مناطق في شرقيّ البلاد يكثر فيها العليون، حصلت فيها صراعات وادعاءات بمجازر ارتكبت بحق العلويين).

كما كتبنا في السابق فيجب أن تستمر هذه الجهود، رغما عن كل من يحاول تقويضها وزعزعتها.

بدوري أنا فإنها تجول في رأسي ملاحظات مهمة في هذا الخصوص وأودّ المشاركة بها:

السؤال الأول موجّه للمجتمع: "هل العلوين والسنة إخوة؟" أرى أن يفكر الطرفان في هذا بشكل جدّيّ. في الوضع الحالي، فإن حزب العدالة والتنمية، يتقدم بخطوات عملية نحو الحل لهذه المسألة، وخاصة بعد تصريحاته بخصوص الأخوّة في الدين مع العلويين. لكن مؤسسات المجتمع المدني لم تخطوا خطوات توازي خطوات الحكومة بهذا الشأن. كيف يجب علينا أن نفسر هذا الوضع العقيم؟ علاوة على ذلك، فإن فكر الانحياز المتراكم منذ العهد العثماني مازال يلقي بظلاله على هذه المسألة مرورا بفترة الجمهورية، فيقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني من مسؤوليات مثلما هي عند الحكومة في هذه المسألة المصيرية.

مثلا اليوم، لو ذهبتم إلى مركز ولاية "طوقاط"، فإنكم ترون من ضمن البيوت التي يعاد ترميمها، أنها تقع في زقاق يقال له "زقاق اليهود". وهذا يعدّ من مآثر العثمانيين البارزة التي تسمو على اللغة، والعرق والدين. ومن جهة أخرى، نرى العديد من بيوت العلويين بعيدة عن مراكز المدن أو القرى، وتقع في مناطق نائية عنها. وربما تسمعون من بعض أصدقائكم من أحفاد العلويين عن معاناة أجدادهم عندما كانوا ينزلون إلى مراكز المدن وعن إهانتهم بسبب لحاهم.

هذا يعني أنه يستقر في ذهن المجتمع العلوي مثل هذه المعاملة السيئة ونبذهم من قبل الناس هناك وهذه النظرة تمثلها بعض الشرائح منهم.

كم يوجد من أمثلة على ذلك ومتى بدأ هذا التفكير، كانت تلك مادة للعديد من الأبحاث، لكن لو استثنينا آخر 50 سنة، فإننا نلاحظ قلة أعداد العلويين الذين يعيشون في المناطق ذات الأغلبية السنية، فذلك ما علينا أن نضيفه إلى حساباتنا وأبحاثنا.

ذاتا إن قضية ظهور مشكلة اسمها "القضية العلوية" تبدأ مع نزول العلويين إلى المدن، وهذا الوضع ينطبق على أحوال تركيا في التسعينيات، وتأثير معابد العلويين المعروفة بـ"جم إيفي" (بيوت الجمع) واضحة في هذه الفترة، وقد ظهرت القضية في تلك الأثناء. في القديم كان يجتمع العلويون في بعض الغرف الكبيرة من القرية من أجل تأدية طقوس عباداتهم، وبعد نزولهم إلى المدن احتلت بيوت العبادة "جم إيفي" عندهم مكان الحجرة، والتكية والزاوية في القرية. وقد أطلق هذا الاسم على بيوت العبادة في التسعينيات عندما تأسس وقف بيوت العبادة "وقف جم" برئاسة عزّ الدين دوغان.

في الماضي بدأ يتقلص التفكير الانحيازي بين العلويين والسنة في تركيا ووصل إلى مستوى يمكن السيطرة عليه حسب الإحصائيات، ترانا نمرّ اليوم في فترة يزداد فيها التفكير بشكل منحاز من طرف العلويين تجاه إخوانهم السنة فيصل إلى الذروة. مثال على ذلك، في إحصائية على حرية الحجاب في تركيا تعود إلى سنة 2010 نرى أن نسبة 10% فقط من العلويين تؤيد إلغاء المنع، بينما نجد أن نسبة 34% من أهل السنة تؤيد عدّ بيوت العبادة للعلويين من ضمن دور العبادة في تركيا مثلها مثل أي معابد عند بقية الأديان.

كما نلاحظ في هذه الفترة غلبة طبع الغضب والشراسة عند العلويين لتحتل عندهم مكانة الشعور القديم بالسحق والعقدة من كونهم أقلية. ويمثل عنصر الشباب منهم هذ الاتجاه والشعور. وما صرّح به حزب الشعوب الديمقراطي وأطلق عليه "الشباب العاصفة" وعدّ أعمال الشغب والعنف عند الشباب الأكراد مقبولا ومشفوعا، فإنه يُعمل الشيء نفسه بالنسبة لشباب العلويين.

ويرى البعض في حزب العدالة والتنمية أنه يمثل الهوية السنية في البلاد، وعلى الرغم من وجود اختلاف كبير جدا بين العلويين في تركيا وبين النصيريين والشيعة، وهم كانوا يرون الخطر عليهم من إيران، فإن قسما كبيرا من العلويين الآن يعارضون سياسة حكومة العدالة والتنمية تجاه الطاغية الأسد ونظامه المستبد في سوريا ويصورون ذلك على أنه ضد العلويين. ويحمّلون سياسة الغضب والعنف عند شبابهم لهذه الأسباب.

لكن لو لم تكن هذه الأسباب موجودة فإنه سيكون هناك شريحة لايستهان بها من العلويين، سيصرون على اللعب على وتر العداوة بين العلويين والسنة. وبالنسبة إلى السنة أيضا، يعيشون في وضع يصعب معه إقناعهم أن هناك ايادٍ خفية خارجية تعبث بالوضع القائم بين العلويين والسنة. ويمكن التخفيف من تبعات هذه المسألة باستمرار العلويين بالتقدم خطوات باتجاه العيش بسلام مع السنة، فهذا سيكون له الأثر الإيجابي في عودة الأمور إلى طبيعتها كما في الماضي.

سوف نستمر في الحديث عن "جم إيفي" والذي هو بيت القيد، هذا إن كُتب لنا ذلك.

عن الكاتب

هلال قابلان

كاتبة في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس