إبراهيم ألطاي - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

“بات من الواضح مؤخرًا أن عدة وسائل إعلام غربية تهدف للدفع بخطاب واحد على أنه الحقيقة في تركيا، بدلًا من تصوير الأمور بدقة. وتُظهر الأحداث الأخيرة أن هذه الوسائل مستعدة للتعتيم على أي مقال يظهر منظمة غولن بصورة سلبية…

سادت في الفترة الأخيرة موجة من الشكوى والضجر لدى وسائل إعلام وصحفيين وشخصيات سياسية تركية حيال تغطية وسائل الإعلام الغربية لتركيا، التي تثير عدم رضى لدى شريحة واسعة من الأتراك. وقد تم توثيق حالات تغطية إعلامية كاذبة، ونشر معلومات مغلوطة، وبروباغاندا في عدة مقالات منشورة في هذه الوسائل.

آخر هذه الأمثلة هي مقالة للكاتب سونير يالتشين في صحيفة سوزجو اليومية التركية (المُعارِضة) في 5 أيار/ مايو الجاري بعنوان “الغارديان”. يتحدث يالتشين في المقالة عن رسالة وردته على بريده الإلكتروني من قبل “باريش بهليفان” رئيس تحرير محطة “أودا تي في” التلفزيونية المُعارِضة في تركيا.

كان مصدر هذه الرسالة حسبما أوضح يالتشين في مقالته صحيفة الغارديان البريطانية اليومية، إحدى أكبر مصادر الأخبار في العالم. طلبت الغارديان من بهليفان مقالًا حول “مشاكل حرية الإعلام في تركيا”. أجاب بهليفان أسئلة الغارديان مع نهاية شهر آذار/ مارس الماضي ونشرت الصحيفة المادة على موقعها الإلكتروني.

تضمنت المقالة المذكورة أسماء أخرى وأظهرت صورة بهليفان. إلا أن سونير يالتشين أكّد أن أيًا من تعليقات بهليفان لم تظهر في المادة المنشورة من قبل الغارديان، وتبين أن بهليفان كان قد كتب عن منظمة غولن الإرهابية.

وعندما اعترض بهليفان على محتوى المادة المنشورة، وبدلًا من إجابة سؤاله طلبت الغارديان منه كتابة مادة حول “ضغط القضاء التركي على الصحافة”، و“كيف يؤثر فوز معسكر “نعم” في الاستفتاء على هذا الضغط”.

حينها سأل بهليفان هل سيتم نشر مقاله إذا كتب فيه عن منظمة غولن، وجاء جواب الغارديان بالإيجاب.

قبل مناقشة الجزء الثاني من مقالة يالتشين والمُراسلة بين بهليفان والغارديان، دعونا نأخذ خطوة إلى الوراء ونُحلّل ما رأيناه حتى الآن.

منذ وقوع أزمة “دقيقة واحدة” الشهيرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل بضع سنوات، شهدنا تغييرات قاسية في التغطية الإعلامية الغربية لتركيا والأحداث المتعلقة بها.

ففي السنوات الأخيرة، أصبح تصوير تركيا في وسائل الإعلام الغربية أكثر تشويهًا، ومائلًا نحو المزاودة على التلاعب. وليس العثور على الكثير من الأمثلة على ذلك بالأمر الصعب. هل تذكرون محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو والتغطية الإعلامية الفورية التي تلتها؟ مع تحليق الطائرات في جنح الظلام وتخييم حالة الغموض على البلاد، كانت وسائل الإعلام الغربية مشحونة بالمعلومات الكاذبة صراحة، والتناقضات المتلاعبة. وإليكم بعض النقاط لإنعاش ذاكرتكم.

أفادت شركة ستراتفور الاستخباراتية الخاصة بأن الرئيس أردوغان طلب اللجوء في ألمانيا، إلى جانب وسائل إعلام مثل صندي إكسبرس وواشنطن بوست نقلت عن مصادر رديئة ومشكوك فيها خبر احتمال توجه الرئيس إلى طهران.

ومن جهة أخرى، قالت مجلة ذا ديلي بيست: “رُفِض طلب أردوغان للجوء في ألمانيا، وهو الآن يتجه إلى لندن”.

بدورها، لم تتأخر فوكس نيوز على الحفلة، فقد استضاف برنامج أورايلي فاكتور على القناة العقيد الأمريكي المتقاعد رالف بيترز لطرح رأيه كخبير، ليكيل المديح للعسكر الإرهابيين قائلًا: “إنهم ضد الإسلاميين، والأصوليين، والمتطرفين. إنهم مع الديمقراطية. إنهم مع دستور علماني”. وقال حساب فوكس نيوز الرسمي على تويتر: “العقيد بيترز معلقًا على تركيا: إذا نجح الانقلاب، يخسر الانقلابيون ونحن ننتصر”.

وليست هذه أمثلة منفردة. فالمشكلة الأساسية مضاعفة في الواقع. أولًا لدينا في الجانب الأول كذبات صارخة، وتغطية خبرية متلاعبة ومتحيزة، وعلى الجانب الآخر يعتمد الإعلام الغربي بشكل كبير على الناس والمصادر التي تفشل دائمًا في تقديم صورة دقيقة للأحداث في تركيا.

يبدو أن هذه المصادر عالقة في إحدى مناطق إسطنبول وتملأ بقية البلاد بناء على خيالاتها. لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لترشيد التحريف الإجمالي للحقائق حول ما يجري في تركيا في الأعوام الأخيرة.

وهكذا دواليك، تُرسل منظمة إعلام أجنبية صحفيًا لتغطية قصة خبرية في تركيا، وتُعين مساعدًا لإيجاد مصادر محلية ولعب دور الوسيط بينها وبين الصحفي. يجمع المساعد الصحفي بالناس ويعرض وجهة نظر محددة تفشل في التلاؤم مع أغلبية الرأي العام التركي. يكتب الصحفي الأجنبي المادة بناء على هذه المدخلات وينشرها على أنها العقلية الطاغية لكل تركيا. وهكذا يعيد ويزيد.

إلى حد ما نصيحتنا هي إيقاف “صحافة الهبوط المظلي” وإيجاد مساعدين أفضل. ولكن المشاكل نفسها تُعاد مرارًا وتكرارًا، من الواضح أن الإعلام الغربي مدرك تمامًا أن المصادر التي يعتمد عليها لكتابة مواده لا تعكس حقيقة الوضع. هذه المصادر مُصَمَّمَةٌ كليًا. فهي تبحث عن مصادر وحقائق تلائم الشقوق في خطابهم الموجود مسبقًا وملء الفراغات بمعلومات مناسبة مع تجاهل أي شيء يدحضها أو يتعارض معها. وفي بعض الأحيان مثل ليلة محاولة الانقلاب يظهر التلاعب والتغطية الكاذبة، وفي بقية الأوقات يكون مغطىً أكثر.

لنأخذ الهجمات الإرهابية في تركيا على سبيل المثال. استهدفت داعش وبي كي كي تركيا بعدة هجمات في السنوات الأخيرة وفقد كثيرون أرواحهم وأصيب أكثر منهم بجروح. ومع ذلك، إذا كنت تتوقع الدعم أو التضامن مع تركيا، فإنك تكون مغرورًا أو تافهًا. بدلًا من ذلك، قررت وسائل الإعلام الغربية لوم تركيا على هذه الهجمات، ووضعت قائمة من الأسباب المفترضة أو الأخطاء في تغطيتها، بنبرة مبطنة تقول: “تركيا حفرت لنفسها هذه الحفرة”.

أما إذا أردت مثالًا أكثر واقعية، تفقد مقال “لوم الضحية” في صحيفة ديلي صباح، المنشور في 9  كانون الثاني/ يناير في زاوية القراء. يتحدث المقال عن مقال لروبرت فيسك على صحيفة الإندبندنت. وإليكم مقطعًا مع مقالنا يلخص تناول فيسك لهجوم أورتاكوي على ملهى رينا الليلي في 2 كانون الثاني:

“النبرة غير الاعتذارية للقرار تلخص بشكل جيد النية وراءه. قد يتوقع أحدهم توجيه بعض اللوم على الأقل على المهاجمين، ولكن يبدو أن السبب الوحيد للهجوم والمسبب الرئيس لعدم اهتمام الإعلام الغربي هو تركيا، حسب فيسك. إنه تملق كلامي لعوامل عنصرية مبطّنة ولكنها سرعان ما يتم تجاهلها ووضع اللوم على كاهل تركيا”.

يرد ذكر داعش في المقالة ثلاث مرات، استخدمت كلها للإشارة إلى أخطاء تركيا المفترضة في الهجوم.

والآن لنعد إلى مقال سونير يالتشين لاستعراض بقية القصة. تضمن مقال باريش بهليفان الثاني لصحيفة الغارديان أجزاء عن كيفية وقوف مسؤولين في سلك القضاء مرتبطين بتنظيم غولن وراء محاولة انقلاب 15 تموز. بعد إرسال المقالة إلى الغارديان، سألت الصحيفة عن مصادر حول كيفية اختراق منظمة غولن لأجهزة الدولة مع “تصحيحات” على الأجزاء المتعلقة بمحاولة الانقلاب في المقالة.

حسب يالتشين، طلبت الصحيفة أن تقول المقالة: “إن إلقاء اللوم على المسؤولين المنتمين لمنظمة غولن كان قرارًا متسرعًا”. كما أكد يالتشين أنه على الرغم من أن الغارديان لم تمانع إيراد انتقادات للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية دون تردد، إلا أنها لم يؤنبها ضميرها في وضع عراقيل عندما تعلق الأمر بتضمين أتباع غولن.

في المقابل، كتب بهليفان للغارديان عن تجربته في هذه المسألة قائلًا: “هذه هي تركيا الحقيقة التي أراقبها وأعيش فيها”. إلا أن الغارديان واصلت طلب مزيد من التصحيحات عن الأجزاء المتعلقة بمنظمة غولن مثل تسمية أفعال فتح الله غولن “إساءة تصرف”، ودعوة بهليفان إلى استخدام كلمات أكثر حذرًا عندما يتعلق الأمر بالروابط بين منظمة غولن ومحاولة انقلاب 15 تموز. كان جواب بهليفان سحب مقاله بقوله: “لم يُرد كتابة اسمه على مقال لا يعكس أفكاره”.

فضلًا عن إظهاره حقيقة كل فكرة أوردناها في الأعلى، يعزز يالتيشن فكرة أن الإعلام الغربي ليس جاهلًا بحقيقة إعلام الهبوط المظلي بل هو مدرك تمامًا لما يفعله. كل ما في الأمر هو أنهم لا يرغبون بنشر الحقيقة، حيث أن الحقائق تناقض خطابهم المسبوك لزمن طويل حول تركيا. وفي حين يواصلون توجيه اللوم لتركيا على “فرض الرقابة على الإعلام” فإنهم يفعلون الأمر نفسه لمواصلة تغطيتهم المتلاعبة.

عن الكاتب

إبراهيم ألطاي

كاتب في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس