محمود القاعود - خاص ترك برس

طوال سنوات .. وعقود .. ظلت الجمهورية التركية تابعة للغرب الصليبي، وكانت سياسات حكوماتها العلمانية المتعاقبة تُزايد علي الغرب نفسه ، في التغريب والانسلاخ من الهوية والحضارة الإسلامية ..

مع سطوع نجم رجب طيب أردوغان ، تغيّرت تركيا تماما وتحديدا منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2002م ، بدأت تُركيا تتحرر من ربقة الاستعباد الغربي ، ساعدها علي ذلك شخصية أردوغان القيادية الاستثنائية المخلصة المُحبة للوطن والأمة والهوية ، حتى صار متعارفا بين الكتاب والباحثين علي تاريخ تأسيس الجمهورية التركية الجديدة مع بداية قيادة أردوغان ، مثلما يُعزى لـ مصطفى كمال أتاتورك تأسيس الجمهورية الأولى.

استطاع أردوغان في فترة قياسية ، انتشال تركيا من براثن الضياع والتبعية ، وجعلها في مصاف الدول المتقدمة في مجالات الصحة والتعليم والصناعة والاقتصاد والزراعة والسياحة ، وصارت كل المحافظات التركية تتمتع بأفضل البني التحتية والخدمات والطرق والمدارس والجامعات ، ذلك أنه يستمد شرعيته من الشعب ، فعمل للشعب ، وقدم كل ما في وسعه ولا يزال .. ما جعله الخيار الأول للشعب في كل الاستحقاقات الانتخابية ، وكان آخرها تعديل الدستور التركي في 16 نيسان/ إبريل 2017م ، ومن قبل خرج الشعب عن بكرة أبيه للتصدي للمحاولة الإرهابية الانقلابية الخسيسة في 15 يوليو التي استهدفت تقسيم تركيا وبث الفتنة في ربوع البلاد ، فأثبت الشعب اخلاصه لقائد قدم الكثير لوطنه وسجل اسمه بأحرف من نور .

الغرب لا يُريد لأي دولة إسلامية أن تتحرر .. ففي الحرية قوة وحياة ونهضة .. وهذا ما لا يسمح به الغرب .. ولذلك كان القرار الأمريكي ، بمعاقبة أردوغان بالانقلاب الذي اندحر سريعا .. وبإنشاء دولة كردية علي حدود تركيا تتمدد في شمال سوريا ثم تلتقي بالخلايا الإرهابية النائمة في ديار بكر بمعاونة ما تُسمى وحدات حماية الشعب و حزب العمال الكردستاني .

أمريكا تعلم أن انتخابات 2019م ستنهي نفوذ أمريكا وستجعل تركيا قوة متفرّدة بالشرق الأوسط ، والعمل الآن في أروقة المؤسسات الأمريكية ، هو إفشال هذه اللحظة .. وتقسيم تركيا قبل أن تصل لهذه اللحظة ..

قامت أمريكا دون حياء ولا خجل بتسليح العصابات الكردية ، تحت زعم أنهم سوف " يُحررون " مدينة الرقة  السورية من الإرهاب ! وما يحدث لا يعدو أن يكون إلا تسليح لجيش المرتزقة الذي سيشل حركة تركيا ويخاطب المنظمات الإرهابية بالعمق التركي لتتماهي مع حلم " دولة كردستان " الكبري ، فتكون خلافة علي منهاج السي آي إيه تنطلق من أربيل في العراق مرورا بالرقة وحتى ديار بكر .

وهنا لا بد أن نقول أن السياسة لا تعرف العواطف ولا الأمنيات ولا العبارات الجوفاء .. أمريكا تخطط وتنفذ .. وتركيا لا زالت مرتبكة في اتخاذ رد فعل حقيقي تجاه هذه المؤامرة  التي تهدد وحدة وسلامة الأراضي التركية .

ولعله من المفيد أن نُذكر بأن أي رد فعل تركي علي أمريكا لا بد أن يستهدف المجرم بشار الأسد موظف الاستخبارات الأمريكية الموكَّل بهدم سوريا وتقسيمها .. تصفية بشار ستشل حركة الأكراد .. وستوقف حلم الدولة النصيرية بالساحل .. وستجعل إسرائيل تنكفئ علي ذاتها .. وستتراجع أنظمة الخيانة والدياثة العربية تحت وقع الصدمة عن الاستمرار في حصار تركيا وتمويل الانقلابات ..

الكرة الآن في ملعب تركيا .. وبعد قليل سنجد قوة الأمر الواقع الأمريكية .. ووقتها لن تكون هناك من خيارات سوي التعايش مع الواقع المؤلم .

عن الكاتب

محمود القاعود

صحفي وروائي مصري وعضو اتحاد الصحفيين العرب


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس