برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تواصل التحليلات الأخيرة للسياسات التركية الداخلية والخارجية على نحو متزايد فشلها في النّظر إلى ما وراء الكليشيهات. كما تواصل شخصيات معارضة من داخل الوطن بلا مبالاة قذف مصطلحات مثل الوصاية المدنية والفاشية لاستهداف الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية. يزعم هؤلاء أنّ البلاد تتجه نحو ما يُسمّى بالنظام السنّي الفاشيّ، ولا يتردد نقّاد المعارضة في الزجّ بالاتّهامات بالتّسلّط مع لمزات طائفية. وفي الوقت نفسه تستمر إشارات المراقبين الدوليين إلى أنّ قرارات السياسة الخارجية للحكومة التركية أدّت إلى عزل البلاد، وسبّبت مشكلات بين تركيا وجيرانها، والأهمّ من ذلك أنّها نأت بأنقرة عن الغرب. 

قدّم مارك لوين في آخر مقال له في البي بي سي الدولية مجموعة كبيرة من الحجج المذكوة أعلاه. مُردّداً بحماسة مشاعر مجموعات المعارضة داخل تركيا، حيث قال بأقلّ درجات الموضوعية إنّ "البلاد تتّجه نحو العُزلة تحت قيادة رجب طيب أردوغان". ويرى لوين أنّ تركيا الجديدة (شعار يرفعه حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان) تعني في الواقع "تركيا غير سعيدة يهُزّها الاستقطاب - حيث يختفي الأصدقاء في الداخل والخارج".

ليس من غير المألوف لصانعي السياسة الوطنية أن يقضوا جزءاً كبيراً من وقتهم مع مُنتقدي سياستهم الخارجية. تواجه إدارة أوباما على سبيل المثال مُعارضة جادة من الحزب الجمهوري الذي يدّعي على الملأ أنّه لم يمرّ على الولايات المتحدة رئيس خسر أصدقاءً في واشنطن مثل أوباما منذ ريتشارد نيكسون. وبالنظر إلى تركيا، يبدو أنّ النّقاد مع ذلك يُعيدون نفس الانتقاد مراراً وتكراراً، ممّا يدلّ على أنّ البلاد باتت عرضةً للضغط الدولي وليس للنّقد البنّاء.

من الواضح أنّ معارضي حزب العدالة والتنمية في البلاد (مثل اليساريين والعلمانيين وأتباع حركة غولن والراديكاليين الأكراد) بذلوا جهداً واضحاً في تشويه صورة تركيا على المستوى الدّولي. وفي حين أنّه يمكن تفهّم أن تفرض الدول المتنافسة ضغطاً على بعضها لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية، فإنّ من غير المنطقي أن تطلق الأحزاب المتنافسة حملات متطرّفة كهذه ضدّ حكومة بلادها. هذه الحملات تهدف بالطّبع إلى الآتي: إقناع المجتمع الدولي بأنّ تركيا أصبحت لاعباً غير مؤثر وانطوائي، في وقت تُظهر فيه مؤشرات استطلاعات الرأي تفوق حزب العدالة والتنمية في انتخابات حزيران/ يونيو 2015، وذلك لتقويض الشرعية الديمقراطية للحكومة على الرغم من نتائج الانتخابات، لحرمان الدولة من ثقتها بنفسها. وببساطة، تهدف هذه الحملة لفرض حدود تعسّفية على سلطة الحكومة المنتخبة على شؤون البلاد.

تشارك الحكومة التركية بالطبع في ممارسات محلية ودولية تستحق النّقد. تركيا الجديدة مثلاً يجب أن تضع سياسات أفضل وأكثر تفصيلاً فيما يتعلق بالتحضّر والسلامة في مكان العمل إلى جانب أمور أخرى. هناك فرق كبير بين أن يقول أحد رأيه بشأن أجندة تركيا الجديدة وبين إطلاق مسمّيات معينة بشكل مستمر. ويظل الجانب الأكثر إشكالية من الحملة السلبية هو أنّ موارد تركيا نفسها تستخدم ضدّ مصالحها الوطنية.

وغنيّ عن القول إنّ الحكومة لا يمكن ببساطة أن تتبنّى لهجةً رافضة لمواجهة الحملة المستمرة التي تسعى إلى تشويه سمعة أجندة تركيا الجديدة. كما أنّ الفوز بالانتخابات ببساطة ليس أمراً كافياً لإحباط جهود مجموعات منظمة. لذلك فإنّ حزب العدالة مضطرّ لتشكيل نقاش عامّ من أجل منع استغلال جماعات المعارضة ضد مصالح الأمّة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس