د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

ما بين كارثة 5 حزيران 1967 وكارثة 5 حزيران 2017 نصف قرن. فبعد نصف قرن من الهزائم العسكرية العربية وخطط التنمية وتأسيس البنى التحتية والجامعات ومؤسسات الدولة وتسول السلام مع الاحتلال الإسرائيلي، نكتشف أن ما يزداد عندنا هو النقائص، وما يتطور هو مناهج التخلف، وأن أعظم إنجازاتنا أننا وضعنا أمام الأجيال القادمة كل أفخاخ التخلف ومعوقات النجاح والتطور.

العرب والخليج والسعودية تحديدا ما قبل 5 حزيران 2017 ليسوا بكل تأكيد مثلهم ما قبله. فالحدث زلزال سياسي مرعب ومخيف ويؤسس لمرحلة في غاية البؤس والتيه المركب. ولتتضح أبعاد الصورة السوداء القاتمة، ساتوقف عند بعض من تداعيات الكارثة ومدلولاتها وتبعاتها:

ما كان لمحلل سياسي أو متابع أو حتى لمتشائم مسكون بالبارانويا أن يتخيل مجرد خيال قبل سنوات بأن سوريا والعراق واليمن ستصل إلى ما وصلت إليه من دمار وتفتيت وكوارث إنسانية. وما كان لأمثالهم، فقط ساعات قبل وقوع كارثة 5 حزيران 2017 أن يتخيل مجرد خيال أن يجري ما جرى في الخليج العربي وبين دوله الشقيقة. لقد دخلنا في مرحلة الكوارث غير القابلة للتخيل والتصديق قبيل وقوعها...هنا يأتي السؤال المخيف ماذا في جعبة المستقبل لنا من كوارث وأعاصير غير متوقعة!!

كان مجلس التعاون الخليجي المؤسسة العربية الوحيدة والتي تبدو من الخارج أنها تعمل وأنها متماسكة. وحين تتفجر خلافات وصراعات دولها بهذه الطريقة الدراماتيكية واللطمية السوقية، فكيف لمواطن عربي من بعد أن يثق وبأي طريقة وصيغة بالنظام العربي الرسمي وبمجمل الأنظمة الحاكمة والتي تفردت بالقرارات السياسية والاقتصادية والقانونية عقود متواصلة لتصل بنا إلى ما وصلنا إليه!؟؟!

في ظلال المآسي والتي تفتك في الجسم العربي السني والتكالب الدولي عليه ودخول دول منه بمرحلة التشظي، وشعوبه مرحلة التهجير والتدمير المنهجي إنسانيا واجتماعيا وتعليميا بتواطؤ دولي إن كان في سوريا والعراق وغيرهم. كان الخليج وتركيا وتحديدا ما أصطلح على تسميته مثلث النهوض: الدوحة-الرياض-أنقرة يشكل الأمل الكبير والأخير لوقف المظالم والمآسي التي تضرب السنة حتى صدمتنا كارثة 5 حزيران الجديدة لتثير مخاوفنا من أن سيناريو العراق وسوريا سيمتد إلى أرجاء العالم العربي، خصوصا الشرقي منه تفتيتا وتفكيكا وتدميرا وتقتيلا.

الأزمة الخليجية دخلت عمليا أو شارفت على الدخول في مرحلة التدويل، وهو أمر له تداعيات كبيرة. فحين يتواصل بوتين وترامب أو يلتقي مسؤولون من روسيا وامريكا غدت الأزمة الخليجية والوضع السوري والعراقي من نقاط البحث المشتركة. وهكذا قد تصبح دول الخليج ضمن مقايضات المواقف والمصالح ومناطق النفوذ بين الدول الكبرى مما يعرض المنطقة إلى حالة متواصلة ومستمرة ومنهكة من الابتزاز والاستفزاز.

تم استخدام تمويل الإرهاب وفزاعة داعش –اللعبة الدولية الكبرى- كادأة ابتزاز للدول العربية وتحديدا السعودية خصوصا في قانون جاستا وقضايا التعويض الفلكية المرفوعة في أمريكا ضدها. كان من المأمول من الدول العربية وخصوصا الخليجية والسعودية تحديدا تشكيل لوبي في أمريكا بأدوات إعلامية وسياسية وقانونية ليطوق الأمر ويحد من أضراره وتداعياته. غير أن المفاجأة التي صدمتنا بأن السعودية وحلفاءها استخدموا مسألة تمويل الإرهاب وبطريقة فظة وفجة في محاولات محمومة لمحاصرة الدوحة وإدانتها. الأمر الذي قد يرتد على السعودية لاحقا ليتم محاصرتها ومقاضاتها بنفس المنهج وأدلته والذي سلكته وارتضته الرياض في تعاملها مع قطر.

اختفت مواقف العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي العابرة للحدود وبدا جليا بأن الدين في خدمة السياسة وتابعا لها وتم تخويف شخصيات لها وزنها الشعبي من إبداء اراء مستقلة ومخالفة، بطريقة أظهرتها كابواق للسلطة تقول وتتصرف ما يملى عليها ويطلب منها. خطورة الأمر أنه سيؤدي لفراغ توجيهي وفكري وذلك باهتزاز بل وإنعدام ثقة العموم بالعلماء والدعاة مما يمهد لتعزيز مناخات التطرف والتكفير والسلوك العنفي.

انشغل العالم وشعوب المنطقة عن الكوارث التي تحل بسنة العراق -خصوصا الموصل- وسوريا وبحالهم باليمن بأزمة جديدة غير متوقعة. الأمر الذي أعطى إيران فرصة كبيرة للمضي بمخططاتها لا بل وبالظهور بمظهر الدولة التي يمكن التفاهم معها، خصوصا بعد دخول دول عربية وازنة في مرحلة من الخطاب الإعلامي والسياسي المحزن والذي أعاد العرب إلى أجواء داحس والغبراء ولكن باستخدام تقنيات حديثة. وبدا أن النظام العربي يستخدم أدوات التكنولوجيا الحديثة ليمكن للتخلف، وليعمق من الفكر الجاهلي الموغل في البداءة والبذاءة.

كل يوم بمر في حالات الحرب والكوارث يحتاج لإسابيع لإصلاح ما دمره وأفسده. وكلما طالت الأزمة كلما أصبح التعافي منها أكثر كلفة ويحتاج إلى أوقات أطول. لقد أسقطت الأزمة ما تبقى وبقي من ثقة وأحترام للنظام العربي الرسمي في عقل وقلب المواطن العربي وأصبح العرب يترقبون المجهول وينتظرون الكوارث. فأولاد العم يتقوون على بعضهم بالأجنبي والذي عبر بصراحة ووقاحة عن طمعه بثرواتهم وبمقدراتهم، وبالمحتل الصهيوني والذي ينظر للعرب بمفهومه العقدي والديني على أنه جوييم وجدوا لخدمته والتمتع بالاستعباد في ظلاله!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس