جمال الهواري - خاص ترك برس

من أسهل الطرق لإغتيال خصومك السياسيين الداخليين معنوياً و تحجيم دور القوى الإقليمية المخالفة لتوجهاتك و استراتيجيتك و الساعية للتقدم و تحقيق مصالحها و تطلعاتها و التي تتعارض مع ما تريده و تصبو إلى تنفيذه هو إتهامهم في شرفهم و وطنيتهم و إخلاصهم للوطن و الأمة ثم التنكيل بهم و الخلاص منهم.

عليك بإلقاء الإتهامات التي تمس و تهدم تلك القيم جزافاً و بكثرة و في كل الإتجاهات، بواسطة كل ما تمتلك من وسائل إعلامية و سياسية و اقتصادية و لا بأس باستخدام الدعاة و المشايخ و النخب بما لهم من تأثير على الجمهور و لا يهم أن تحترق تلك النخب و تفقد مصداقيتها عندما يثبت زيف تلك الإتهامات لخصومك و إنها من صناعتك و فبركتك و لا تمت للواقع بصلة فيمكنك صناعة نخب غيرها مراراً و تكراراً، فما أكثر مشايخ السلطان البارعين في تحريف الكَلِمَ عن مواضعه و النخب القابلة للإستئجار و الأقلام الجاهزة للبيع و الضمائر التي تباع بالمزاد و بأرخص الأسعار.

المهم هو تحقيق الهدف لتخلو الساحة من كل ما ينغص عليك و يمنعك من تحقيق هدفك بالسيطرة على مقاليد الأمور داخلياً و التأثير و تغيير مجريات الأحداث إقليمياً، بما يخدم مصالحك و يمكنك من تقديم نفسك كراعي لمصالح الشعب و القائد الملهم و المخطط صاحب الرؤية الثاقبة الذي لا يشق له غبار و ليس له ند أو مثيل، و حليف يمكن للغرب و الصهاينة الإعتماد عليه كوكيل محلي لتنفيذ المخططات الرامية لتفتيت المنطقة العربية و الإسلامية و تغيير ديموجرافيتها و جغرافيتها و طمس تاريخها و تشويه حاضرها و السيطرة على مستقبلها.

انها سياسة الهروب للأمام و القفز فوق كل الأعراف و الطرق الدبلوماسية و القانونية و الدستورية و أسس و ضوابط العلاقات و الممارسات السياسية داخلياً و خارجياً و تغيير الأولويات و الثوابت الوطنية و الإنتماءات على المستويين العربي و الإسلامي، و توجيه البوصلة بعيداً عن العدو الحقيقي و خلق أعداء وهميين و افتراضيين و لا مانع بل يحبذ الإستعانة بالعدو الحقيقي في عالمنا العربي و الإسلامي و هم الصهاينة و داعميهم و أذنابهم في منطقتنا من أنظمة و حكومات و فصائل و نخب و جماعات.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، نحن في غمار حرب ضروس ضد "الإرهاب و التطرف الإسلامي" و كفى" النغمة و المصطلح المفضل للغرب و الصهاينة"، و علينا مواجهته بكل السبل و الوسائل، أنشر تلك الدعاية ردد هذا النداء عدد صيغه و مفرداته من وسيلة إعلامية لأخرى من مؤسسة سيادية لغيرها و على كافة المستويات لكنه يجب أن يكون الأساس و المرجع الرئيسي طوال الوقت.

عليك بنشر ثقافة الخوف بين الشعوب داخلياً بدءاً من التخويف الأمني و الإقتصادي و الإجتماعي وصولاً للوجودي، و التهديد للخصوم و الدول المخالفة لك خارجياً في محيطك الإقليمي، لا نملك رفاهية إضاعة الوقت في إثبات هوية الجماعات الإرهابية و افرادها و مموليها، كل من يعارض سياساتنا هو "إرهابي" عدو للوطن و للأمة، كل صوت يتناقش بالعقل و المنطق و يسعى لنشر الوعي هو مشروع "إرهابي"، كل قناة تلفزيونية أو مؤسسة صحفية أو شبكة إخبارية مهنية و احترافية في سياسة تحريرها و لها مصداقية و جماهيرية هي منبر للإرهاب و بث الفتن و الشقاق و هدفها هدم الدول و اغراقها "إن هي تبنت وجهة نظر مخالفة أو استضافت معارضاً لنا أو فضحت ووثقت جرائم حلفائنا"، كل دولة عربية أو إسلامية تحاول الإستقلال بقرارها و سيادتها و تسعى للتقدم و رسم سياستها الخاصة بها و تخدم مصالحها هي دولة داعمة للإرهاب و الجماعات المتطرفة، إذا حاولت الخروج عن سيمفونية محاربة الإرهاب و التطرف الإسلامي حسب وجهة نظرنا و مصالحنا و قوائمنا نحن و لتذهب إلى الجحيم كل الأعراف و القوانين و الحقوق و الحريات و الأصول و القواعد الدبلوماسية بين الدول و لتحرق في طريقها الضوابط و الأسس المتعارف عليها في العلاقات الدولية.

لا يهمنا القضاء على الإرهاب و التطرف الحقيقي (أنظمةً و كيانات و جماعات) بقدر أهمية القضاء على الربيع العربي و ثورات الشعوب و آمالها و تطلعاتها و الجماعات الإسلامية السنية المعتدلة و المقاومة الفلسطينية فهؤلاء هم خصومنا الحقيقيين و العثرات و الحواجز التي تقف في طريق تنفيذ مخططاتنا و اهدافنا و التي تتقاطع مع أهداف و مخططات الغرب و العدو الصهيوني الداعم لنا و الذي نستمد منه تواجدنا و استمراريتنا.

في 9 فبراير 1950 وقف "جوزيف مكارثي" السيناتور الأمريكي الجمهوري ثم الديمقراطي و في أوج الحرب الباردة ملوحاً بأوراق في يده تحوي أسماء 250 شخصية أمريكية من سياسيين و عسكريين و مثقفين  و صرخ بأعلى صوته متهماً إياهم بأنهم شيوعيين موالين للإتحاد السوفيتي و أعداء لأمريكا و لم يكن لديه دليل واحد على صدق إتهامه لكن لا يهم، فالهدف هو التشكيك في ولائهم و تصويرهم بأنهم أعداء الأمة الأمريكية الساعون لتدميرها لصالح العدو السوفيتي الشيوعي و صور "الشيوعية" كدين يحاول القضاء على "المسيحية".

و النتيجة كانت خلال 10 سنوات هي إلقاء القبض على أكثر من 200 شخص و التحقيق مع 3000 موظف في هيئات سيادية كالخارجية و الدفاع، وطرد أكثر من 10 آلاف من عملهم بتهم و ذرائع ملفقة و طالت الإتهامات الفنانين و رجال الدين و العلماء و أثبتت الوثائق أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ساعد مكارثي بوثائق و أوراق مزورة لكي يساعده على الأستمرار، ليتمكنوا من النيل من أي شخص دون الحاجة لأدلة وإثباتات وإجراءات، فقط يكفي اتهامه بكونه "شيوعي".

استمرت الحملة المكارثية في أمريكا 10 سنوات حتى سقطت بعد حملة توعية و تثقيف موسعة و مكثفة بقيادة الإعلامي الشهير "إدوارد مورو" و الروائي و المسرحي الأمريكي "آرثر ميلر" لتدور الدوائر على "مكارثي"، وقدم إلى محكمة بتهمة الفساد والتزوير، وأدانه الكونجرس، وأدمن المخدرات و مات بسبب ذلك في 2 مايو 1957 " ظلت أثار المكارثية و بعض مؤيديها في أمريكا لسنوات طويلة بعدها".

وبعد 60 عاماً من وفاته عاد "جوزيف مكارثي" من جديد مرتدياً الثوب العربي و الشماغ و الغٌترة، منتعلاً الحذاء العسكري، مستخدماً نفس الأساليب و الإستراتيجية مضيفاً عليها اللمسة العربية الخاصة و الفريدة للأنظمة القمعية و الديكتاتورية بالمنطقة بتزوير كل شيء، مستبدلاً "الشيوعية" بمصطلح (الإرهاب الإسلامي) و الإتحاد السوفيتي (بتركيا و قطر).

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس