د. علي حسين باكير - صحيفة العرب القطرية 

بدأت السلطات التركية، الأسبوع الماضي، في بناء جدار عازل على الحدود مع إيران عند محافظتي آغدي وإيغدير. ويغطي الجدار المراد تشييده 144 كم، من أصل حوالي 500 كم، تُشكّل إجمالي طول الحدود المشتركة مع إيران. وسيتم إنجاز الجدار على خمس مراحل، حيث من المفترض أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى في أكتوبر المقبل، كما من المفترض أن يتم تزويد الجدار بأبراج، وكاميرات مراقبة، وأعمدة إنارة، وأسلاك شائكة، بحيث تصبح المنطقة تحت المراقبة على مدار 24 ساعة.

لطالما كانت المواقع الحدودية لتركيا مع كل من إيران والعراق وسوريا مصدر صداع للسلطات الأمنيّة التركية، وخاصّة المثلث الحدودي التركي- الإيراني- العراقي الذي يعتبر بمثابة جنّة جغرافية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، حيث ينطلقون من داخل الأراضي الإيرانية والعراقية لشنّ هجمات مميتة داخل الأراضي التركي، قبل أن يعودوا وينسحبوا إلى مواقعهم المتأخرة داخل إيران والعراق. 

خلال السنوات القليلة الماضية، تفاقم وضع هذا الشريط الحدودي، وأصبح يشكل مصدر تهديدات أمنيّة متزايدة على الأمن القومي التركي، لا سيما مع حالة الفوضى التي تضرب العراق وسوريا، وقد أصبح من السهل لمقاتلي حزب العمال الكردستاني والميليشيات المرتبطة به في العراق وسوريا الدخول والخروج دون عوائق تذكر، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتهريب الأسلحة والمتفجرات، عبر هذه الحدود إلى الداخل التركي.

بالنسبة إلى الجانب التركي، من الصعب جداً إن لم يكن مستحيلاً، ضبط الحدود المشتركة ذات التضاريس الجغرافية الصعبة مع هذه البلدان بشكل كامل وفعّال، عبر الطرق التقليدية، خاصة عندما تكون الموارد البشرية أو المادية أو التقنية اللازمة لتأمينها محدودة. 

ولذلك فإن بناء الجدار، مدعوماً بتقنيات للمراقبة، قد يساعد السلطات الأمنيّة على تأمينها بشكل أفضل وأكثر ككفاءة، وبالتالي التخفيف من المخاطر الأمنية القادمة عبر الحدود. ويعتبر الجدار مع إيران جزءاً من خطة أمنية شاملة تضم المناطق الحدودية كذلك مع كل من سوريا والعراق، بهدف تأمينها ضد الفاعلين غير الحكوميين والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية كحزب العمال الكردستاني (PKK)، والفرع السوري (PYD-YPG)، وكذلك تنظيم «داعش».

ووفقاً لوزير الدفاع التركي، فقد تم الانتهاء في يونيو الماضي من تشييد جدار على أكثر من ثلثي المناطق الحدودية مع سوريا بطول 690 كم، وقد تم تزويده بمجسات إلكترونية وأجهزة مراقبة متطورة، أملاً في الحد من دخول الإرهابيين عبر الحدود، لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل التركي. 

وتشير التقديرات إلى أنّ هناك حوالي 1000 عنصر ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني، يشنون هجماتهم ضد تركيا عبر الحدود مع إيران. وبالرغم من أنّ السلطات الإيرانية تنفي علاقتها بهذا الأمر، إلا أنّ هناك من يعتقد في تركيا أنّ إيران لا تعدم الوسيلة لاستغلالهم، عندما يكون الأمر متاحاً، لا بل إنّ هناك من يرى بالفعل أنها قامت في السابق باستغلال وتوظيف مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضد تركيا لأغراض سياسية، سواءً بشكل مباشر، أو من خلال قوى إقليمية محسوبة على النظام الإيراني، أو مدعومة منه، كالنظام السوري.

وعلى الرغم من آثاره السلبية، فإن الجانب التركي يعتقد أنّ تشييد الجدار سيحد بالفعل من العمليات الإرهابية عبر الحدود، لكنّ من الصعب القول إنّه سيمنعها بشكل تام، خاصّة إذا ما بقيت الفوضى الإقليمية قائمة، وإذا ما استمرت هذه الميليشيات في الحصول على حماية ودعم من قبل لاعبين إقليميين ودوليين.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس