محمود عثمان - عربي 21

أثار تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان، عن إمكانية تنفيذ عملية عسكرية مشتركة تركية إيرانية، ضد ما وصفها بالمنظمات الإرهابية في البلدين، موجة من تبادل الآراء والنقاشات في أوساط المحللين والمراقبين والناشطين السياسيين.

أردوغان كان يقصد بكل تأكيد , حزبي العمال الكردستاني الذي يحارب الدولة التركية منذ أكثر من ثلاثين عاما , وينشط في شمال العراق، وحزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) في إيران . 

أردوغان أشار إلى أنه بحث هذا الخيار مع رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري خلال زيارة الأخيرة لأنقرة. 

زيارة رئيس الأركان الإيراني لأنقرة يوم الثلاثاء الماضي , مع وفد مزدحم يتكون من تسعة أشخاص ضم خبراء من العسكر والاستخبارات الإيرانية , كانت الأولى من نوعها بعد انقطاع دام 28 عاما . 

الطرف التركي أولى أهمية استثنائية لهذه الزيارة , حيث تم استقبال رئيس الأركان الإيراني باقري , من قبل رئيس الجمهورية , ورئيس الوزراء , عدا لقاءات العمل والمباحثات الثنائية التي تمت مع نظيره التركي . الطرفان بذلا جهودا استثنائية من  أجل إنجاح الزيارة , والخروج منها بنتائج عملية . 

لكن ذلك لم يمنع المراقبين من طرح أسئلة حول مدى ثقة الطرفين بعضهما ببعض . وإمكانية ترجمة ما تم التوصل اليه من اتفاقات إلى مشاريع عملية تنفيذية . 

ذلك أن الخلاف بين القوتين الاقليميتين يصل إلى درجة التضاد وخصوصا حينما يتعلق الأمر بالمسألة السورية , وحتى المسألة العراقية . ففي الوقت الذي تدرج فيه تركيا جميع الميليشيات الشيعية العاملة في سوريا , وكذلك ميليشيا الحشد الشعبي العراقي على قائمة الإرهاب .

وتعتبر إيران هذه المنظمات رسمية وجاءت بناء على طلب من الحكومة الشرعية في البلدين.
 
الخلاف الجذري في الأساسيات , انعكس بشكل مباشر على مخرجات اللقاءات بين البلدين . ففي الوقت الذي يلمح فيه الطرف التركي إلى عمليات مشتركة يقوم بها الطرفان في شمال سوريا , تشير تصريحات رئيس الأركان الإيراني محمد باقري إلى أن الاتفاق تركز على تعزيز تركيا نشر قواتها على حدودها مع إيران , لمنع مرور الإرهابيين على جانبي الحدود !. 

الجانب الإيراني قدم على لسان باقري اقتراحا وصف بالمفاجئ يقضي بالبدء في تعاون مشترك ضد المسلحين الأكراد في منطقتي قنديل وسنجار الشمال العراقي تحديدا . مما شكل مفاجأة لأنقرة حيث يشتكي الأتراك منذ زمن طويل من عدم تعاون إيران مع تركيا في حربها على حزب العمال الكردستاني , ليس في الجانب العسكري وحسب , بل في جوانب تقويض بنيته المالية وأنشطته السياسية.

بخصوص التدابير الأمنية على الحدود المشتركة , أشار مسؤولون اتراك , إلى أن تركيا باشرت في بناء جدار أمني في الجزء من حدودها مع إيران، على غرار الجدار الذي تم بناؤه على الحدود التركية السورية.

من الواضح أن التطورات المتسارعة في المنطقة , وعلى رأسها الخلاف الخليجي , الذي قلب كثيرا من موازين القوى , وارتدت انعكاساته على جميع موازين القوى في المنطقة .إضافة إلى التهديد المباشر الذي يطال الأمن القومي لكل من البلدين إيران وتركيا , من طرف المنظمات الانفصالية الكردية , دفع كلا من أنقرة وطهران للبحث عن أفق التعاون بينهم , واستوجب التنسيق بين البلدين .

بل ودفعهما إلى تناسي الخلافات الفرعية لحساب مواجهة تهديد أمنهما الاستراتيجي . حيث تقف المنطقة على شفير الفدرلة والتقسيم . 

تقود الولايات الأمريكية المتحدة مشروعا تقسيميا مدمرا يستهدف المنطقة بأسرها , ظاهره الفيدرالية , وباطنه وحقيقته التقسيم . تقسيم ما تم تقسيمه قبل قرن من خلال سايكس بيكو . حيث يقوم الأمريكان بتنفيذ مشروعهم بواسطة المنظمات الانفصالية الكردية . لذلك لا عجب من رفض البنتاغون مشاركة تركيا في عملية تحرير الرقة من تنظيم داعش الإرهابي .

ولا عجب من تفضيلهم خوض المعركة بواسطة منظمات كانت مخابراتهم حتى البارحة تصنفها بالإرهابية, على خوض المعركة بالتعاون مع دولة إقليمية بحجم تركيا , التي عرضت تعاونها الكامل في مكافحة الإرهاب بجميع أصنافه !.

قد يقول قائل إن نظام الفيدرالية هو الحل الأمثل لإدارة البلاد متعددة الأعراق , كما هي الحال في بلدان الشرق الأوسط , وإن غالبية الدول الأوروبية , وحتى أمريكا نفسها تحكم بنظام فيدرالي. هذا صحيح، لكن غالبية تلك البلاد مارست التطهير العرقي , وقضت على مكونات عرقية أساسية لحساب إرساء هذا النظام . 

هذا ما رأيناه في أمريكا نفسها , حيث تم استئصال الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين , وكذلك الأمر في أستراليا وغيرها . وها نحن نرى بواكير نتائجه الأولية في العراق وسوريا , حيث تجري عمليات الإبادة الجماعية والتهجير القسري على أساسي عرقي وديني ومذهبي , تحت مرأى ومسمع العالم أجمع .

إن أول تجربة للفيدرالية التي أسسها الأمريكان في المنطقة على وشك الانهيار , بالرغم من حداثة ولادتها , فلم يمض على تأسيس النظام الفيدرالي في العراق سوى عشرة أعوام . ها هو العراق وجها لوجه أمام مخاطر التقسيم . فقد قررت حكومة شمال العراق إجراء استفتاء شعبي , من المؤكد – في حال استكماله – أن يفضي إلى انفصال الإقليم عن العراق . 

الفيدرالية تقود حتما إلى عمليات القتل والمجازر وحوادث التطهير العرقي والديني والمذهبي , وتؤدي في نهاية المطاف إلى التشظي وتقسيم البلاد . خصوصا في منطقة الشرق الأوسط , ذات التنوع العرقي والديني والإثني , والتركيبة الفسيفسائية القديمة قدم التاريخ . 

إن إعصار الفيدرالية الذي تقوده وتوجهه أمريكا في المنطقة , بدعم من روسيا , لن يستثني أحدا من الدول . صحيح أنه بدأ من العراق باتجاه سوريا وليبيا . لكنه مرشح لأن يهز أركان جميع الأنظمة , ويهدد وحدة جميع دول المنطقة دون استثناء، بما فيها تركيا وإيران . 

بعض دول تحاول الاختباء خلف السد الإسرائيلي , من خلال تبني مشروع الثورة المضادة , وتقديم رشى للكيان الإسرائيلي , وهي تحسب أن الاحتماء به سوف يحفظ أنظمة حكمها , و يقيها من خطر التقسيم. لكن حالها كالمستجير من الرمضاء بالنار !.

من المبكر لأوانه الحديث عن تعاون استراتيجي تركي إيراني . حيث هناك مسافات بعيدة , وعثرات جمة يجب تجاوزها من أجل بناء الثقة بين الطرفين . ما تم خلال زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري لأنقرة , ليس سوى اتفاقات تكتيكية حول قضايا جزئية , فرضها الواقع العسكري ومقتضيات الأمن الاستراتيجي لكلا البلدين . 

الحاجة الملحة التي ألجأت أنقرة وطهران لبعضهما البعض , لن تكون كافية لبناء تعاون استراتيجي بين الجارتين المتنافستين , والمختلفتين حول كل شيء تقريبا . علما بأن تعاونها الإيجابي قد يجنب المنطقة خطر الفيدرالية والتقسيم.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس