جمال الهواري - خاص ترك برس

الروهينجيا أو الروينغة أو الروهينغا، تعددت الأسماء و المضطهد و المقتول و المذبوح و المحترق و المطارد واحد، إنه شعب "الروهينجيا" المسلم في "ميانمار" و المصنف بالأقلية "الأكثر إضطهاداً في العالم"، و هو ما يثبته ما ترتكب بحقهم من جرائم و مجازر مروعة على مدى عقود، و حسب تصنيف الأمم المتحدة و كافة المنظمات الحقوقية الدولية، حيث وصفت متحدثة باسم الأمم المتحدة وضع الروهينجيا في عام 2009 بأنهم "أكثر شعب بلا أصدقاء في العالم".

الروهينجيا لمن لا يعلم هي أقلية مسلمة عددها نحو مليون نسمة ويعيشون في ولاية راخين الساحلية الغربية، وهم محرومون من الجنسية وملكية الأراضي والتصويت والسفر و ممنوعون من ممارسة شعائرهم الدينية و تفرض عليهم قواعد صارمة و إجراءات غاية في التعقيد في حالات الزواج و حتى الولادة، و يعانون من كافة أشكال العبودية و الإستغلال على يد الجيش وقد هرب مئات الآلاف منهم لتايلاند وبنجلاديش التي يرتبطون بها عرقياً"حسب بعض المصادر"، ولكنهم يجبرون عادةً على العودة و من يبقى منهم هناك يعيشون في مخيمات لجوء تفتقد لأبسط مستلزمات الحياة و يفتقد المقيمون فيها لخدمات الصحة و التعليم عدا بضعة آلاف من اللاجئين المسجلين.

ما يحدث لشعب"الروهينجيا" في الفترة الأخيرة ما هو إلا حلقة جديدة في مسلسل مستمر من عقود وسط صمت دولي أقرب ما يكون للتواطؤ و التآمر، فما يحدث هناك يثبت و بالدليل القاطع أن الغرب لا يهتم كثيراً بما يحدث كون المضطهدين يعتنقون الإسلام، و أنهم بلا حول لهم و لا قوة و لا فائدة سيجنيها الغرب لو حاول مساعدتهم فهو دائماً تحركه لغة المصالح و المكاسب فيما عدا هذا فلتذهب الإنسانية و حقوق الإنسان و الحريات إلى الجحيم.

 الغرب نفسه الذي منح "أونج سان سوكي" جائزة نوبل للسلام عام 1991 يقف صامتاً اليوم أمام ما يحدث للروهينجيا من استئصال من وطنهم و أراضيهم و بأبشع الطرق و الوسائل، يقف صامتاً لا بل متواطئاً حاله حال "سو كي" زعيمة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" الحاكم و رئيسة الحكومة في "ميانمار".

و ليس هناك من دليل على إصرار الحكومة الميانمارية على إستمرار جرائمها بحق "الروهينجيا" أبلغ من تصريحات رئيس أركان الجيش هناك منذ يومين بأن ما تقوم به قواته هو "إنهاء لمهمة بدأ تنفيذها منذ أيام الحرب العالمية الثانية" متجاهلاً بذلك التنديدات الحقوقية للفظائع التي ترتكبها قواته.

إن العالم الغربي يصم أذانه مجدداً أمام أصوات المستضعفين و يثبت عنصريته تجاه المسلمين منهم بصفة خاصة، و يكشف المرة تلو المرة عن وجهه القبيح و لكن في نفس الوقت هذا التجاهل ينبهنا نحن المسلمين إلى واجبنا تجاه إخواننا في الدين القابعون هناك تحت أمطار الحقد و الكراهية و العنصرية.

يقع على عاتقنا نحن الشعوب الإسلامية مساندة إخوتنا في الدين بالتحدث عن مآسيهم و أوضاعهم و المساعدة قدر المستطاع و ندرك أنه لن يلتفت الغرب كعادته لهم كونهم مسلمو الديانة و لا فائدة ترجى من دوله و مؤسساته و منظماته التي تحركها المصالح السياسية و المنافع الإقتصادية و لا وزن عنده للإعتبارات الإنسانية و الأخلاقية.

أما الحكومات الإسلامية يجب عليها إتخاذ إجراءات فعلية و على الأرض لإنقاذ الروهينجيا هناك في ميانمار، فمن غير المعقول و لا المقبول أن تقتصر ردود الفعل على إصدار بيانات الشجب و الإستنكار و التنديد بما يحدث، و قيام البعض بارسال المساعدات الغذائية و الطبية ولوازم مخيمات اللجوء بعد وقوع كل كارثة أو مذبحة جديدة للروهينجيا.

إن ما يحدث من مواقف هزيلة من الأمم المتحدة و مجلس الأمن تجاه ما يخص الشعوب الإسلامية يدفعنا للتفكير مجدداً في تصريحات الرئيس "رجب طيب أردوغان" في شهر أغسطس/آب 2013، حينما صرح بأن التحرك لتأسيس منظمة بديلة للأمم المتحدة سيجبر المنظمة على إصلاح نفسها و أن العالم أكبر من خمس أعضاء دائمين بمجلس الأمن.

صدقت مقولة الرئيس أردوغان فبينما تتحرك تركيا شبه منفردة لحل الأزمة ووصفه لما يحدث للروهينجيا بجرائم "إبادة جماعية" تستهدف المجتمعات المسلمة في المنطقة و قيامه بمهاتفة "أونج سو كي" معرباً عن قلقه العالم الإسلامي البالغ تجاه ما يحدث هناك،و إيفاد وزير الخارجية"مولود جاويش أوغلو" إلى بنجلاديش لعقد اجتماعات بشأن الأزمة و زيارة مخيمات اللاجئين و تعهد تركي بارسال المساعدات الغذائية و الطبية ولوازم الإعاشة لهم، نرى في المقابل الصمت القريب للموت من المجتمع الدولي أمام ما يحدث لهم و كأنه يطرب لسماع صوت المسلمين و هم يعانون من الويلات و يصرخون في ميانمار و يستمتع بمشاهدة الإسلام و هو ينزف قهراً هناك.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس