فادي محمد الدحدوح - خاص ترك برس

مع بداية القرن الحادي والعشرين أصبحت إدارة المعرفة ضرورة لا غنى عنها في بيئة الأعمال الحالية وخاصة بعد أن اقترنت مع الإنترنت النافذة الأكبر والأوسع والأسرع من حيث المعلومات والمعرفة، فالعولمة والتحديات الجديدة التي تواجهها نظم العمل والإنتاج تولد ضغوطاً جوهرية على كل المنظمات التي تنتقل إلى اقتصاد عالمي أكثر تكاملاً لإيجاد ميزة تنافسية طويلة المدى من وجهة نظر إدارة المعرفة، فمن غير الكافي فقط امتلاك سبل الوصول لموارد المعلومات الداخلية والخارجية، إذ إن متطلبات العمل اليوم استغلال ما يعرفه العامل فعلاً بصورة فعالة وليس فقط ما يملكه.

إن من نافل القول تأكيد العلاقة بين تطبيق المعرفة والتعلم بمستوياته الثلاثة، التعلم الفردي، تعلم الجماعات والفرق، والتعلم التنظيمي، تطبيق المعرفة في أي ميدان من ميادين الأعمال المتنوعة هي عملية تعلم للمعرفة بأشكالها وبصورة خاصة المعرفة الكيفية ووضع هذه المعرفة في مسارات عمل منهجية ومنظمة.

ينشأ التعلم التنظيمي ويعم أرجاء المنظمة ومستوياتها بدرجات أكبر وأسرع كلما اتجهت الإدارة إلى مزيد من تطبيق منهجية إدارة المعرفة، لقد رأينا أن إدارة المعرفة تسعى إلى رصد مصادر المعرفة الخارجية والداخلية وتحليلها وتفسيرها للتعرف على ما تنطوي عليه من تغيرات لها تأثير على عمليات المنظمة، وبذلك تعتبر عملية الرصد والتحليل هذه البداية الحقيقية للتعلم التنظيمي، نستطيع القول أن المنظمة التي تستثمر في تنمية آليات الدراسة عن مصادر المعرفة وتحليلها ثم إتاحتها لأعضائها، إنما تهيئ البيئة الصالحة لنشأة ونمو التعلم التنظيمي.              

من جانب آخر، فإن القيادات الإدارية المؤمنة بمفاهيم إدارة المعرفة، والساعية إلى تدعيم تطبيقاتها في المنظمة هم من أسس تسريع التعلم التنظيمي من خلال الممارسة الديمقراطية للإدارة التي لا تحتكر المعرفة وحق اتخاذ القرار، بل تعمد إلى تمكين الموارد البشرية ذوي المعرفة وتتيح لهم حرية الحركة والمشاركة في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات مما يحفزهم على استخدام ما لديهم من معارف، ومن ثم الانتقال بالممارسة التنظيمية من مستوى إلى آخر وفق تطورات المواقف ومتطلباتها، أي تحفز على سرعة وعمق التعلم التنظيمي
لن يمكن تسريع وثيرة التطور في الفعالية والأداء (الحصول على  مزايا تنافسية، الرفع من كفاءة عملية اتخاذ القرار، الابتكار والإبداع) إلا باستثمارٍ صائب للمعرفة يجعل المؤسسة ترتقي إلى مستوى المنظمة المتَعلمة، أي تلك التي نجحت في التوظيف الجيد للتفاعل المتبادل بين التعلم التنظيمي وإدارة المعرفة و الذي يعتمد أساساً على الاستفادة من الخبرة والتجارب الفردية و الجماعية، من خلال أسلوب مُمَنهج منظم لتجميع واستغلال المعلومات المُستنتجة انطلاقا من تحليل الأحداث الإيجابية  أو السلبية وذلك من أجل الحد من تكرار الأخطاء وتعزيز الممارسات الناجحة؛ و كذلك تلقين و استيعاب المعارف الكامنة في المساقات التنظيمية للمؤسسة والتي هي غالباً ما تتطرق لمشاكل  متكررة تتضمن حلول نمطية مستوحاة من تجارب سابقة يتم تفعيلها عبر سلسلة من الإجراءات المترابطة و بمشاركة أطراف فاعلة متعددة.

ومن أجل تحقيق هذا التفاعل بين التعلم التنظيمي وإدارة المعرفة يتطلب تعزيز نظام المعلومات لإدارة الأداء بوظائف وخدمات تكميلية لإدارة المعرفة (خصوصا المعرفة الضمنية منها) تدعم كل الأنشطة التي تبذلها المنظمات في عملية الاستفادة من الرأسمال المعرفي بمختلف مكوناته والحفاظ عليه وتقاسمه وتطويره.

ويتجلى هذا الدعم خصوصاً في استخدام تكنولوجيا المعلومات في جمع وتصنيف وإعداد وتخزين وتوصيل البيانات بين الأجهزة والأشخاص والمنظمات من خلال وسائط متعددة وحلول برمجية متنوعة.

عن الكاتب

د. فـادي محمد الدحدوح

خبير بحث علمي وحاصل على درجة الماجستير في القيادة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس