جلال سلمي  - خاص ترك برس

هكذا هو الأمر، عشعش في عقولنا، أو بالأحرى في اللاشعور الجمعي، في العقل الباطن خاصتنا.

إنه أمر تقدير المشهورين، مهما كان وضعهم الثقافي، وعدم تقدير العظماء وبخاصة العلماء والمفكرين.

لا داعي لمراجعة حساباتنا حول الأمر، فكما أسلفت هو أمر لاشعوري تشكل نتيجة تراكمات تراثية تاريخية تحتاج لشعور جاد على الصعيد الفردي لتغييره.
وهو كذلك شريف ماردين، عالم السياسة والاجتماع؛ أحد العظماء الذين رحلوا عن دنيانا بصمت.

إنه ابن اسطنبول الرفيعة التي بقدر جمالها تمنحنا عظماء ومفكرين. أبصر ماردين الحياة عام 1927. عُرف باجتهاده العلمي منذ نعومة أظافره.

وتقديراً لاجتهاده العلمي، مُنح فرصة إكمال التعليم الثانوي في الولايات المتحدة.

عشق الدراسة الأكاديمية للعلوم السياسية منذ صغره.

وقد باح بعشقه على الملأ بدخوله لكلية العلوم السياسية في جامعة "ستانفورد" الأمريكية. وكيف للعاشق أن يكابد بعد المعشوقة ولو للحظة!؛ عملاً بهذا القول أكمل ماردين مسيرته الأكاديمية في إنهاء الماجستير في جامعة "جون هوبكينز"، ومن ثم عاد، بعد اشتياق، إلى جامعة "ستانفورد"، ليُنهي الدكتوراه.

استهل ماردين، عقب حصوله على درجة الدكتوراه وعودته إلى تركيا، عمله الأكاديمي في جامعة أنقرة عام 1960.

وتوج مسيرته الأكاديمية بأول إصدار أكاديمي عام 1962، حيث أصدر كتابه الأول تحت اسم "التكوين الفكري لجمعية تركيا الفتاة"، تلك الجمعية التي ظهرت في أواخر سنوات الدولة العثمانية، بهدف الدعوة إلى الإصلاح والتماسك المجتمعي القومي.

ويعود السر في الثراء الفكري الذي حاز عليه ماردين خلال مسيرته التعليمية إلى تنقله بين عدة جامعات خلال مسيرته الأكاديمية، فبدايته كانت في جامعة أنقرة التي عمل فيها لمدة 13 عاماً، ومن ثم انتقل، عام 1973، إلى جامعة بوغاز إيتشي في اسطنبول.

وكأن رقمه المفضل في الحياة هو الثلاثة عشر، فبعد عمله لمدة 13 عاماً في جامعة بوغاز إيتشي، انتقل إلى جامعة "أمريكان" في واشنطن، وترأس مركز الأبحاث الإسلامي.

كالجوهرة الثمينة كانت تستعيره عدة جامعات عالمية للعمل معها، فقد حصل على لقب البروفسور عام 1972، وبات من النجوم الفريدة التي تتلألأ بأفكارها الثمينة حول التاريخ السياسي الاجتماعي للإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية، فتنقل ما بين جامعة هارفرد، وبرينستون، وميديل إيست، وغيرهم.

وفي ضوء اقتدائه بجملة "لا تكتمل الخبرة الأكاديمية إلا بالتجارب العملية"، عمل ماردين كأمين عام لحزب حرييت "المركزي المعتدل"، عام 1957، وواظب على ذلك حتى انضمام الحزب إلى حزب الشعب الجمهوري عام 1958.

وتقديراً لجهوده العلمية، حاز ماردين على عدة جوائز من جامعات ومراكز علمية مرموقة، ومن أبرز هذه الجوائز تُذكر جائزة مركز البروفسور مصطفى بارلار للأبحاث العلمية عام 1993.

لقد أغمض المارديني عيونه عن الحياة في 6 أيلول/سبتمبر الجاري، تاركاَ خلفه كنوزاً علمية ثمينة تجسدت بعدد من الكتب التي سطرها:

ـ الدين والأيديولوجية.

ـ الأيديولوجية.

ـ الأفكار السياسية للأتراك الجدد.

ـ العلوم السياسية والاجتماعية.

ـ الحداثة التركية.

ـ الدين والسياسة في تركيا.

ـ السياسة والمجتمع في تركيا.

ـ ميلاد فكرة "العثمانية الجديدة".

ـ الحياة والمجتمع والحداثة في تركيا.

ـالتغير الاجتماعي والديني في تركيا الحديثة.

فإن كان هناك من يبحث عن التركيبة الاجتماعية السياسية الدينية للدولتين العثمانية والتركية الحديثة، فإن المارديني، المشهود له، محلياً وعالمياً، بفيضه العلمي، هو العنوان الأمثل لهذا الموضوع.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس