زهراء معاذ - خاص ترك برس

إسطنبول لن تكون هي نفسها من غير القطط التي اتخذت من شوارعها مسكنًا وأصبحت جزءًا من روح المدينة. إن القطط في اسطنبول هم سكانٌ لها كما الناس تمامًا، بل في كثيرٍ من الأحيان تبدو القططُ سكان المدينة الأصليون والناس مجرد زوارٍ لها!

فمثلًا، لو ذهبت إلى بعض محلات الأثاث التي تعرض جزءًا من مبيعاتها في مكانٍ مفتوح، كالأريكة مثلًا، سيكون من الصعب عليك أن تجلس عليها لتجربها فالقطط قد اتخذت منها مكانًا للراحة، ولا أحد هنا من حقه إيقاظ القطة من قيلولتها التي قد تدوم لساعات.

وفي الأيام الممطرة، لا تستغرب لو وجدت الناس ينتظرون أمام موقف الباص واقفين بدلًا عن الانتظار جلوسًا على المقاعد، فالقطط التي ليس بإمكانها الاستلقاء على الرصيف المبلل من حقها أن تجد مكانًا لتجلس عليه، فالمقعد بالنسبة لها كالمسكن المريح، وبالتأكيد لا أحد بإمكانه طرد شخصٍ ما من مسكنه لأجل أخذ دقائق من الراحة أثناء الانتظار.

في ممرات الحرم الجامعي الضيقة التي تقع بين العشب والأشجار، قد تجدُ قطةً تقطع عليك الطريق بنومها فيه، لا توقظها! بإمكانك سلوك ممرٍّ آخر.

إذا أردت الراحة في مكانٍ ما بعد وقتٍ طويلٍ من المشي ووجدتَ قطةً تجلس على المقعد، بإمكانك الجلوس بجانبها ولكن لا تقم باللعب معها إذا لم تُعرك هي اهتمامًا أو تنظر إليك، فبعض قطط إسطنبول يحبون جلسة الاسترخاء والتأمل. ستجدها جالسةً بوقار فاتحةً عينيها تنظر إلى شيءٍ ما بتركيز، لا تلتفت إذا سمعت صوتًا ما أو اقتربَ أحدٌ منها، ولو قمتَ بإزعاج استرخائها، ستبحث عن مكانٍ آخر لتسترخي فيه بعيدًا عنك، حتى لو اضطرّت للتطفل على شخصين جالسين معًا بأخذ مكانٍ بينهما.

لو كنتَ تسكنُ بيتًا بحديقة، فكن مستعدًّا لاستيطان القطط في حديقة منزلك، خاصةً القطة الحامل التي تحتاج مكانًا لتحفظ فيه قططها الصغار قبل أن يصبح بإمكانهم الانطلاق إلى شوارع إسطنبول، وستجد المارة من أمام حديقتك يحضرون لها الطعام، فعلى الجميع العنايةُ بالقطط.

وعند ذهابك إلى أحد المطاعم حيث الطاولات والمقاعد في أماكن مفتوحة بالقرب من الأرصفة، فكن مستعدًا للقطط التي ستتمشى بين الطاولات وبين الأرجل! هي لا تحاول سرقة الطعام أو التطفل على أحد، إنها فقط تشعر أن من حقها المشي هنا!

إنها تشعرُ بالأمان حقًا بين الناس في إسطنبول، فهم يقلقون على راحتها وعلى توفير جو العيش الملائم والأنسب لها، فيضعون لها أوعية الطعام والماء في الشوارع ويقومون بتجديدها باستمرار، ويحمل بعضهم أكياس طعام القطط دائمًا بحوزتهم لإطعام القطط التي يجدونها على الطريق. وتقوم البلديات في إسطنبول بتوفير بيوتٍ صغيرة خاصة بالقطط في الشوارع والحدائق والجوامع.

من الواضح جدًا كمّ الحب والتعاطف الذي يحمله الناس هنا تجاه القطط، وفي المقابل؛ لا تقومُ القططُ بالتعدّي على حرية الناس وراحتهم، فعلى الرغم من الانتشار الكبير لها إلا أنك لا ترى أي قطةٍ في محطات المترو أو داخل الحافلات أو داخل وسائل المواصلات المختلفة، ولن تجدها حتى تحاول الدخول إلى هناك، كما أنها لا تحاول التطفّل على المحلات أو المجمعات التجارية، ولا تدخل حتى إلى المكان المخصص للصلاة في الجوامع، كما أنها لا تتطفل على المطاعم أو البقالات، إن قطط إسطنبول يدركن حدودهنَّ جيدًا، ويحاولن العيش في الوضع الأمثل لهنّ وللسكان ذوي الرجلين.

إن علاقة الصداقة الفريدة بين إسطنبول وسكانها ذوي الأربعة أرجل، تعود أصولها لجذورٍ ثقافية ودينية، فيقول البعض إن السفن التي كانت تأتي للقسطنطينية حملت على ظهورها عددًا كبيرًا من القطط ليقوموا بحماية المدينة من الآفات مثل الفئران، قططًا من مختلف الأنواع والألوان، تكاثروا في المدينة حتى وصل عددُهم إلى ما هو عليه اليوم.

وحينما ارتبطت القططُ بالسحر والشعوذة في أوروبا، كانت القطط كائناتٍ محببة إلى الإنسان في الدولة العثمانية، وقد استلهم العثمانيون حب القطط من كونها مخلوقاتٍ نظيفة بحسب الإسلام، ومن القصص التي وردت عن الرسول محمد ﷺ في التعامل مع القطط، يُذكر أنه حينما نامت القطة على كمّ ثيابه، لم يزعجها أو يوقظها من نومها، ومن الشهير أيضًا أنه سمّا الصحابي عبدالرحمن بن صخر الدوسي بـ "أبي هريرة" بسبب قطته الصغيرة التي كان يحملها معه دائمًا وصار معروفًا بين الجميع بهذا الاسم.

وفي سنة 2016، قامت سيدا تورون بعمل فيلم وثائقي باسم كيدي Kedi أي قطة باللغة التركية لتروي تفاصيل هذه الظاهرة الغريبة. يقص الفيلم خلال 80 دقيقة علاقة الصداقة بين سبعةٍ من سكان إسطنبول وبين أصدقائهم ذوي الأربعة أرجل من سكان إسطنبول أيضًا! عُرض الفيلم في مهرجان إسطنبول للأفلام المستقلة، كما نال جماهيريةً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، والسويد وفنلندا وأستراليا وسنغافورة.

وتنالُ المواقع الخاصة بقطط إسطنبول متابعةً كبيرة، وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي 2016 قامت بلدية كاديكوي بإقامة تمثال برونزي في ذكرى تومبيلي، وهي قطة زائدة الوزن عرفت بين السكان المحليين باسم غلي Gli واتخذت من أيا صوفيا مسكنًا لها، تومبيلي تمتلك مدونةً خاصةً بها يُحمّل عليها الزوار الصور التي قاموا بالتقاطها لها. 

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!