علي باكير - العرب القطرية

تعتبر أسعار النفط والغاز أمرا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد التركي، فالبلاد تعتمد في استهلاكها للطاقة بشكل شبه كلي على واردات النفط والغاز من الخارج (أكثر من %90 من الخارج إذا ما استبعدنا الفحم الحجري)، كما أنّها تترك تأثيرا كبيرا على عدد من المؤشرات المرتبطة بالأداء الاقتصادي للبلاد من بينها التضخم والنمو والحساب الجاري.

خلال الربع الأول من العام تقريبا، لم يكن هناك أي مؤشرات على انخفاض حاد في أسعار النفط، وقد كان ذلك يعني مواجهة المزيد من التحديات بالنسبة للاقتصاد التركي. في العام 2010 و2011 كان الاقتصاد التركي في قائمة الدول الأكثر نموا في العالم، وبموازاة ذلك نما حجم استهلاك الطاقة في البلاد بنسبة حوالي %6 في العام 2012 و2013، ومن الملاحظ انعكاس ذلك على حجم فاتورة الطاقة المستوردة؛ إذ ارتفعت من 39 مليار دولار في العام 2008 إلى 60 مليار دولار في العام 2012.

ورغم انخفاض نسبة نمو الاقتصادي في العام 2013 فإن فاتورة الطاقة بقيت مرتفة وبلغت 56 مليار دولار، ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين بالدرجة الأولى ارتفاع أسعار النفط وانخفاض قيمة العملة التركية مقابل الدولار.

وفقا لمعهد الإحصاء التركي، فقد دفعت تركيا خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 239 مليار دولار ثمنا لوارداتها من الطاقة. وتفتقر البلاد إلى ثروات النفط والطاقة التي تتمتع بها الدول المجاورة، ورغم ذلك لم يكن هذا الأمر عائقا أمام نموها وتطورها رغم الحجم الضخم لفاتورة الطاقة والذي يساوي لوحده أضعاف موازنات عدد كبير من البلدان العربية.

لكنّ الارتفاع في حجم هذه الفاتورة معطوفا على التقلب في سعر العملة والاعتماد شبه الكلي على عدد محدود من الدول لتزويدها بالنفط والغاز أدّى إلى تفاقم التحديات التي تحمل انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد الذي يعد العنصر الأول والأساسي في صناعة إنجازات حزب العدالة والتنمية وفي صعود تركيا الإقليمي خلال العقد الماضي، ومنها تحدّي أمن الطاقة وتنويع مصادر الواردات، وخفض التكلفة النهائية لفاتورة الطاقة وانعكاساتها على الاقتصاد، وزيادة التصدير وخفض العجز في الحساب الجاري.

ومع تواصل انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات تقريبا، فإن الأخبار تبدو جيّدة بالنسبة للجانب التركي؛ إذ من المتوقع أن تنخفض فاتورة الطاقة من دون شك عن الحجم الذي وصلت إليه العام الماضي، وأن تهبط فاتورة استيراد النفط لوحدها من حوالي 15 مليار دولار إلى حوالي 11 مليار دولار.

لقد واجهت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية مشكلة في ارتفاع العجز في الحساب الجاري بنسبة كبيرة بسبب فاتورة الطاقة، ولا شك أنّ انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى خفض في هذا العجز، حيث تشير بعض التوقعات الحكومية إلى تراجعه بمقدار حوالي 4.5 مليار دولار لكل 10 دولارات. وفقا لتقديرات علي باباجان، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية فإن كل تراجع لأسعار النفط الخام بقيمة 10 دولارات سيكون لها انعكاس على انخفاض حجم التضخم في البلاد بنسبة %0.5 وكذلك ارتفاع في حجم النمو بنسبة %0.3.

وكما النفط، فقد حصلت تركيا على تخفيض في أسعار الغاز الروسي المصدّر للبلاد بنسبة %6 مع الزيارة التي قام بها بوتن إلى أنقرة خلال الأيام الماضية، صحيح أن ذلك دون التوقع الذي كان الأتراك يريدونه من بوتن؛ حيث يشير البعض إلى أنّهم كانوا يطمحون إلى تخفيض بنسبة %25، إلا أن الجانب الروسي وعد برفعه النسبة إلى %12 في مرحلة لاحقة، وهو أمر يظل جيّدا بالنسبة للجانب التركي خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه يستورد النفط الإيراني بأسعار تفوق حتى أسعار السوق العالمية، ورغم كل الجهود التي بذلها الجانب التركي لإقناع طهران بتخفيض الأسعار والذهاب إلى التحكيم للفصل بينهما، إلا أن الجانب الإيراني لم يتراجع حتى الآن عن سنت واحد من الأسعار المرتفعة جدا.

على أي حال، فإن الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد التركي ستأخذ مداها على المدى المتوسط، خاصّة أن الانخفاض في أسعار النفط قد لا يبقى طويلا، ناهيك عن أن حجم الاستفادة من هذا الانخفاض تعتمد أيضاً على سعر العملة التركية خلال مرحلة الانخفاض.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس