فراس رضوان أوغلو - خاص ترك برس 

جاءت الانتخابات الألمانية في زحمة أحداث سياسية كثيرة وعلى رأسها الاستفتاء في اقليم شمال العراق مما جعل هذا الحدث ينال قليلاً من الإهتمام الإعلامي في تركيا، لكن هذا لا يعني ان نتائج الانتخابات الألمانية ليست من أهم الأحداث السياسية ذات التأثير المباشر على تركيا، ولعل فوز حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة ميركل كان متوقعاً لكن دخول حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي المتطرف البرلمان الالماني كثالث حزب وبنسبة 13 بالمئة تقريباً، يعكس حالة التحول في المجتمع الألماني فألمانيا هي رابع دولة ينجح فيها اليمينيون الشعبويون المتشددون في الحصول على نسبة أصوات عالية بعد هولندا وفرنسا والنمسا والتي أستطاعت تلك الأحزاب أن تحرز المركز الثاني في الإنتخابات التي جرت في بلادها.

نجاح حزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني الشعبوي بالوصل إلى البرلمان الألماني سيزيد العبء على السيدة ميركل وخاصة في السياسة الخارجية، فهذا الحزب غير مرغوب به من قبل الساسة الأوروبيين ومنهم تركيا طبعاً لشعبويته و تطرفه، مما قد يؤدي بالسيدة ميركل بالنظر في تحسين العلاقات السياسية مع عديد من الدول ومنهم تركيا الدولة الأوروبية المسلمة لتؤكد أن الديمقراطية الألمانية مازالت قوية وبخير وأنها ترفض تلك الأفكار المتشددة الرافضة للغير وأنها رافضة للتحزب الديني و العنصري، ولكن في نفس الوقت عين الرقيب ستكون ملازمتها بشكل ألصق من ذي قَبل من قِبل حزبٍ يرى سياسة ميركل بأنها خاطئة كلياً، مما يزيد الضغط عليها داخلياً وخطورة هذا الضغط أنه يتجه لكسب الأصوات نحو التطرف الشعبوي والآخذ أصلا بالتزايد ليس في ألمانيا وحدها بل في عدة دول أوروبية ذات ديمقراطيات مرموقة.

لا شك أن أنقرة سعيدة نوعا ما بنجاح ميركل  (أفضل الموجود) المعروفة بعقلانيتها و واقعيتها للأمور (رغم كل الخلافات بينهما) ولذلك جاءت تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدرم بأن العلاقات بين البلدين يجب أن تصحح بعد الإنتخابات، ومن قبله كان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أشار بأن العلاقات مع ألمانيا ستتحسن بعد الإنتخابات، لكن وصول حزبٍ متشددٍ شعبوي إلى قبة البرلمان الألماني أثار مخاوف السياسيين الأتراك فهم لم ينسوا بعد ماقام به حزب الخضر المعادي لتركيا وما ألت إليه تلك السياسة من توتر بالعلاقات التركية الألمانية فكيف الحال الأن مع حزب سيحصل على 80 مقعداً في البرلمان وهو لا يرفض الأتراك فحسب بل يرفض الإسلام برمته ويعتبره خطراً على ألمانية، أما التخوف الأخر ففي حال تشكيل السيدة ميركل حكومة إئتلافية مع الأحزاب الأخرى قد يكلفها ذلك التنازل عن حقائب وزارية هامة (كحقيبة الخارجية أو الداخلية) وهذا بدوره سوف يؤدي إلى تقيد سياستها مع تركيا وربما عودة المهاترات السياسية والتصريحات والتصريحات المضادة وبالتالي عودة التوتر بين الطرفين وهذا ما لا يرغب به أحد أقله في تركيا، والتخوف الثالث هو حصول تلك الأحزاب على مراكز متقدمة في الإنتخابات في بلدان تعتبر من أهم الشركاء الاقتصاديين لتركيا، مما يعني أن على الساسة الأتراك دراسة الملفات السياسية والاقتصادية مع تلك الدول بشكل متأني ودقيق في ظروف يكاد المحيط التركي يكون شبه مشتعل بالمشاكل ليثبط وتيرة مسيرة التقدم لتركيا.

رغم كل ما مرت به العلاقات التركية الألمانية من توتر في الآونة الأخيرة إلا أن مؤشر الأرقام يشير على أن العلاقات الاقتصادية بين كلا البلدين  مازلت في الصدارة وأن ألمانية تحتل المركز الأول في الصادرات التركية، وأن الشركات الألمانية المتواجدة في تركيا صاحبة الدخل الأعلى تقريباً من بين الشركات الأجنبية العاملة على الأرض التركية. 

عن الكاتب

فراس رضوان أوغلو

دبلوم تاريخ في العلاقات السياسية في القرن الثامن عشر، كاتب ومحلل سياسي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس