معين نعيم - خاص ترك برس

رغم تباطؤ سرعة الهجوم الأمريكي على تركيا بعيد انتخاب ترامب ورغم محاولات الدولة التركية وعلى رأسها رئيس الجمهورية تحسين العلاقة مع ترامب بل مدحه من قبل أردوغان مرات عديدة إلا أن قطار الهجوم الأمريكي عاد للتسارع في الأيام الأخيرة بشكل واضح وكان آخر ضرباته ولا أظنها ستكون الأخيرة هي وقف السفارات والقنصليات الأمريكية لإصدار التأشيرات من كل مكاتبها في تركيا والحجة الرغبة بتقليل عدد الزوار للسفارات بحجة عدم إيفاء الحكومة التركية بتعهداتها لتأمين مباني وموظفي السفارات والقنصليات الأمريكية في تركيا.

وما إن قرأت النص مباشرة تبادر لذهني الموظف التركي متين طوبوز الذي يعمل في القنصلية الأمريكية وبشكل لا يتناسب مع اللوائح والضوابط القانونية حيث أنه يعمل كموظف في القنصلية منذ فترة طويلة ولم يتم إبلاغ الجهات الرسمية بذلك ومن باب أولى منصبه وطبيعة عمله علما أنه معتقل بتهمة التخابر مع الانقلابيين قبيل وبعد الانقلاب وفي فترة البحث عنهم من قبل العدالة التركية ومن داخل القنصلية الأمريكية.

فهل يا ترى لماذا هذا الغضب العارم للأمريكان الذي دفع القنصل قبل أيام لعقد مؤتمر صحفي دعي إليه فقط الوكالات والصحف المعارضة أو شبه المعارضة واتهم المؤسسات الإعلامية الأخرى (حتى وكالة أنباء الأناضول) بطريقة لا تليق بدبلوماسية الضيف على البلد بأنها أبواق للنظام وأنها مشغولة بصناعة الخرافات والأكاذيب.. هل هو اعتقال أحد عملائهم والذي قد يفضي لاتهام رسمي للولايات المتحدة الأمريكية بدعم والمشاركة في الانقلاب الفاشل؟ أم هناك وراء الأكمة ما وراءها؟

أعتقد أن أمريكا تعلم أن تركيا في الوقت الحاضر غير معنية بالتصعيد معها على صعيد العلاقات وأن الشكوك والكثير من الأدلة التي طرحت في الإعلام أو عبر سياسيين من الحزب الحاكم تشير وبشكل واضح لعلاقة الأمريكان بالانقلاب ولكن الجهات الرسمية ما زالت تتغاضى عن اتهام مباشر لها بل كانت بعض التصريحات المطمئنة للشارع أن الأمريكان يعملون مع تركيا ويدعمون موقفها في وجه الانقلاب.

لكن الأكمة أصبحت أصغر من أن تخفي ما وراءها في العلاقات التركية الأمريكية حيث أن الملفات التي تتعارض فيها المصالح التركية الأمريكية تعددت وبشكل متسارع في الأعوام الثلاث الأخيرة فمن الملف السوري الذي تعادي فيه أمريكا المصالح التركية عبر دعم انفصاليين أكراد معروف أنهم امتداد لعصابات ما يسمى بحزب العمال الكردستاني ولكن على الضفة السورية إلى ملف العلاقات التركية  مع روسيا وإيران التي تتسارع في التطور الإيجابي وكان آخرها الاتفاق الروسي التركي على المضادات S-400 والذي تحصل بموجبه تركيا على منظومة دفاعات صاروخية من خارج إطار أسلحة الناتو وفي نفس الوقت يخسر لوبي الأسلحة بسببه صفقة يتجاوز حجمها المليار دولار ومرورا بالتوافق التركي الإيراني مع حكومة بغداد المركزية في ملف شمال العراق واستفتاء الإقليم على الاستقلال وتنفيذ المناورات العسكرية المشتركة والتنسيق بين رئاسة الأركان الإيرانية والتركية وآخر هذه القشاش التي تقصم كل منها ظهر بعير العلاقات الأمريكية التركية هو التحرك العسكري التركي على محور إدلب في محاولة عملية لقطع الطريق على الكنتون الكردي في سوريا والمدعوم أمريكيا علنا والذي يخطط من خلاله لحصار بعض معاقل قوات حماية الشعوب (PYD& YPG وهي النسخة السورية من عصابات العمال الكردستاني) وهو ما أغضب أمريكا فأرادت أن توصل رسالة دبلوماسية خطيرة لتركيا عبر وقف إصدار التأشيرات من كل مكاتب تركيا وهذا الأسلوب اتبعته أمريكا في معاركها الدبلوماسية أكثر من مرة مع دول أخرى.

لكن الأتراك وفي شعور بخطورة المعركة وواضح إصراراهم على المواجهة أصدروا بعد أقل من ساعتين قرار مطابق للقرار الأمريكي حتى بالنص مع تغيير الأسماء كنوع من الرد وبشكل علني بالمثل كرسالة أن أي إجراءات أمريكية ضد تركيا ستكون تركيا في مواجهتها بقوة مماثلة ون أن أن أن تركيا دولة لها سيادة ولها قرارها.

واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تستمر في التعامل مع تركيا كما تتعامل مع معظم دول المنطقة بعقلية الانتداب الأمريكي وتعتبر سفراءها هم المندوبون السامون لهذا الانتداب يغيرون من شاءوا متى شاءوا وما على الرعايا في هذه الدول إلا الانصياع والتنفيذ.

بالمناسبة هذه الطريقة حكمت فيها أمريكا تركيا لأكثر من خمس عقود كان أوجها في السبعينيات والثمانينيات حيث أن الانقلاب في الثمانينات كان بالتنسيق بل ودعم الأمريكان حتى وصل الحال بالسفير الأمريكي في حينه والذي كان محج كل السياسيين الأتراك أن ارسل رسالة للقيادة الأمريكية مباركا الانقلاب قائلا "إن أولادنا هم من نفذوا العملية فلا تقلقوا " واستمر هذا الانتداب عبر المؤسسات الدولية التي تأتمر بأمر الولايات المتحدة الأمريكية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها حتى نهايات القرن الماضي بل وبدايات هذا القرن حيث كانت تسقط الحكومات ويقال الوزراء بالأمر لا بالرجاء الأمريكي ولكن السنوات العشر الأخيرة بدأت نوعا جديدا من العلاقات التركية الأمريكية الذي وإن لم يصل لمستوى الندية إلا أنه يتحرك بمبدأ المصالح والمفاسد من العلاقة ويلعب على وتر التناقضات الأمريكية مع منافسيها في المنطقة مما وسع مساحة المناورة وقوى الموقف التركي في مواجهة التسلط الأمريكي وغالبا سيستمر هذا التنافس والتشاحن وبازدياد إذا ما أصرت الولايات المتحدة على محاولة اخضاع تركيا لمطالبها دون مراعاة مصالح تركيا في المنطقة. 

عن الكاتب

م. معين نعيم

باحث وكاتب مختص في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس