أحمد موفق زيدان - العرب القطرية 

لسنوات عجاف مريرة قد يسجلها التاريخ بأنها من أصعب السنوات مروراً على شعب هتف الشاميون «مالنا غيرك يا الله»، بعد أن أعيته مطالباته بدخول عربي وتركي وأممي..

اليوم تدخل تركيا إلى المحرر، لعلّها بذلك تنقذ ما تبقى من أهل السنة في الشمال السوري، قبل أن تواصل ذئاب العالم مجتمعة أو متفرقة ولكنها متفقة على قضم المناطق المحررة، ويأتي الدخول التركي بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام؛ كبرى الفصائل المسيطرة على المنطقة، ليريح كل غيور على وطنه ودينه، مؤملاً أن يتواصل هذا التنسيق والتعاون بما يعظم الجوامع بين الثورة وحاميها الأتراك..

لكن اللعبة خطيرة، والمتلاعبون في الثورة من أعدائها أخطر، والنتائج قد تكون كارثية إن لم نُحسن السياسة والحكمة في اتخاذ القرارات.

نأتي على الجانب المحلي الممثل بهيئة تحرير الشام أولاً، إذ يفرض عليها عامل الوقت أن تنفتح على الفصائل الأخرى ممن بغت عليهم.

فما دامت مستعدة للانفتاح على الأتراك فانفتاحها على الفصائل الشامية أولى، ولتعيَ اليوم أن الصخرة الشامية أكبر من كل الفصائل كما هي أكبر من دول، لذلك تنسق هذه الدول مع بعضها ضد الثورة، تماماً كما على هذه الفصائل أن تتعالى على جراحها، وتتناسى بغي الهيئة عليها ولو إلى حين، وتقوم بطرح أفكار ورؤى جديدة لا تُصغي فيها للمزاودين والشامتين الذين يحرصون اليوم على إفشال تجربة تنسيق الهيئة في إدلب مع الأتراك أكثر من حرص العصابة الأسدية وسدنتها ربما، ويبقى الأمل معقوداً بالنخب الدينية والثقافية والإعلامية في أن تدعو إلى تعظيم الجوامع وتقزيم الفوارق..

أما تركيا المعروفة بدعمها للثورة الشامية، فمعروف عنها أيضاً سياستها الناعمة وتأثيرها الهادئ، والتي لم تدخل حرباً منذ الحرب الخاطفة في قبرص، فهي أمام تحدٍّ خطير، لا سيما وهي تتدخل في دولة مجاورة، وإن كان تدخلاً مرغوباً به من الأهالي. 

التحدي التركي اليوم يكمن في أن يُلجم الطيران الروسي والمليشيات الطائفية عن جرائمهم، وإن كانت الغارات الروسية التي نفذتها ليلة دخول المراقبين الأتراك على معرة النعمان تشكك في الأستانة، وتشكك في كل السردية الروسية والإيرانية، كما أن على تركيا الاستفادة من التجربة الباكستانية يوم دخل الجيش إلى وزيرستان للقضاء على المتشددين، ولكن مع مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك، إلا أن أميركا لا تزال تنظر إلى باكستان بنفس النظرة -وربما أشد من الماضي- على أنها مأوى للمتطرفين والإرهابيين..

هناك روسيا وإيران اللتان تسعيان بكل قوة إلى المراهنة على فشل التجربة التركية، لا سيما وأنه قد يبرز من هو أكثر تشدداً من الهيئة نفسها، ليزاود عليها وينسف الاتفاق ويفشله، وبالتالي يهيئ الطريق لاجتياح روسي وإيراني ومليشياوي، وهنا سيكون خطر عودة إدلب -لا سمح الله- إلى الحضن الطائفي خطير، وعلى تركيا والفصائل مواجهته، وأمر مواجهته قد يتطلب حرباً تركية مع الروس والإيرانيين، ولا ندري إن كانت تركيا ستقدم على ذلك..

واشنطن ترى نفسها مرتاحة للدخول التركي من جهة كونها ستكفيها مؤونة التعامل مع عش الدبابير، ولكنها ستقف بكل صلابة في وجه تركيا إن هي هاجمت معاقل المليشيات الكردية الانفصالية في شمال حلب، ويتزامن ذلك مع التصعيد الديبلوماسي الحاصل بين البلدين من وقف منحهما تأشيرات لبعضهما بعضاً..

ربما لا تزال الأوراق في يد الشعب السوري مهمة وقوية، وهي العمل على وحدة صف المقاومة، مع تنادي النخب إلى مؤتمر عام يفرض نتائجه على الفصائل كلها هو الحل وهو فرض الوقت الحقيقي، وكل هذا لا يمكن أن يكون بدون دعم تركي حقيقي وجاد..

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس